إن مرحلة المراهقة مرحلة طبيعية من عمر الإنسان و تمثل فترة حرجة في حياة الفرد ، حيث أنها تحتاج إلى تكيف من نوع جديد يختلف تماماً عما كان الفرد قد تعود عليه من قبل ، فمرحلة المراهقة من أخطر المراحل التي تواجه كل من يقوم بالتربية ، فيبدأ المراهق في إيجاد فكرة عن الحياة و المصير و الغاية، و تكون مستويات إدراكاته قد تفتحت و تسامت، و ذكائه قد بلغ أوجه، و في هذه تتحدد إهتماماته، فكل هذه العوامل العقلية و الإجتماعية، بالإضافة إلى النضج الجنسي، تتظافر في إيجاد الوعي الديني عند المراهق، وذلك لأنها مرحلة انتقال و نصج جسمي وعقلي و نفسي ، وإجتماعي ، بين مرحلتين متميزتين هما: مرحلة الطفولة الوادعة ، الساذجة الهادئة ، ومرحلة الشباب التي تسلم المراهق إلى الرشد والنضوج والتكامل ، و لكنه ليس النضج الكامل ، و قد تختلف فترة المراهقة من مجتمع إلى آخر، ففي مجتمعات تكون فترة قصير و في مجتمعات أخرى فترة طويلة، لذلك تم تقسيم مراحل المراهقة إلى ثلاث مراحل : * المرحلة الأولى : ( من ١١ إلى ١٤ ) سنة و تتميز بتغيرات بيولجية سريعة . * المرحلة الوسطى : ( من ١٤ إلى ١٨) سنة و هي مرحلة إكتمال التغيرات البيولوجية. * المرحلة المتأخرة : ( من ١٨ إلى ٢١) سنة حيث يصبح الشاب أو الفتاة إنساناً راشداً بالمظهر و التصرفات ، ومن هنا كان من الواجب توجيه المراهق توجيها سليماً واضحاً ، ووجب الابتعاد عن السطحية والضحالة في تقديم الأفكار الدينية له وتعليمه إياها، ليكون فهمه للدين فهماً صحيحاً، بعيداً عن الأوهام و التعصب و الخرافات، حيث أنه من خصائص و مظاهر مرحلة المراهقة، الخيالات و قراءة القصص الجنسية و الروايات البوليسية و قصص العنف و الإجرام، كما يميل المراهق إلى الحب من أول نظرة و أحلام اليقظة، و حب المغامرات و إرتكاب الأخطار ، و الميل إلى التقليد ، كما يكون عرضة للإصابة بأمراض النمو، كفقر الدم و تقوس الظهر و قصر النظر، و تختلف المراهقة من فرد لآخر، و من بيئة جغرافية لأخرى، بإختلاف الانماط الحضارية التي يتربى فيها المراهق ، فمرحلة المراهقة ليست مستقلة إستقلالاً تاماً، و إنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة، و النمو عملية مستمرة و متصلة، فمن أشكال المراهقة : ١- مراهقة سوية : الخالية من المشكلات و الصعوبات . ٢ – مراهقة إنسحابية : حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة و مجتمع الأقران و يفضل الإنعزال و الإنفراد بنفسه . ٣ – مراهقة عدوانية : حيث يتسم المراهق فيها بالعدوان على نفسه و على غيره من الناس و الأشياء. و أبرز المشكلات و التحديات السلوكية في حياة المراهق ( الصراع الداخلي ، الخجل و الإنطواء ، الإغتراب و التمرد ، العصبية و حدة الطباع، السلوك المزعج )، حيث يعاني الآباء من الخوف الزائد على أبنائهم من رفقاء السوء و عدم قدرتهم على التمييز بين و الخطأ و الصواب ، بإعتبارهم قليلو الخبرة و متهورين متمردين، يرفضون أي نوع من النصح و الوصايا، و يطالبون بالمزيد من الحرية و الإستقلال، و بحاولون الإنفصال عن الآباء بشتى الطرق ليعيشوا عالمهم الخاص ، ضد تيار الأهل، فيشعر الأهل و المراهق أن كل منها لا يفهم الآخر، فيجب على الأهل إتباع الحوار الحقيقي مع المراهق و إنشاء علاقة صداقة معهم ، و إحترام و تفعم مشاعرهم، بدل التنافر و الصراع و الإغتراب المتبادل ، و يجب على الأهل تفهم وجهة نظر الأبناء، كما يجب علاج عصبية و حدة و إندفاع المراهق و عنفه الزائد و توتره، من خلال الأمان و الحب و العدل و الإستقلالية و الحزم ، ليشعر المراهق بالأمان و الطمأنينة. أيضاً يجب على الآباء تبصير المراهق بعظمة المسؤولية التي تقع على كاهله و كيفية الوفاء بالأمانات و إشغاله بأعمال الخير المثمرة و البناءة، و تصويب المفاهيم الخاطئة في ذهنه، و نفي العلاقات المزعومة بين الإستقلالية و التعدى على غيره، و تشجيعه على مصاحبة الأصدقاء الجيدين، و مراعاة المراهق الآداب العامة، و عدم الإعتداء على الناس، و ممارسة السلوك المزعج، و تخريب الممتلكات العامة و البيئة، و قد يكون الإزعاج لفظياً أو عملياً. في الغالب يشعر المراهق بالخجل و الإنطواء مما يعيق تحقيق تفاعله مع المجتمع، من هنا وجب على الآباء توجيهه بصورة دائمة غير مباشرة و إعطائه مساحة كبيرة للنقاش و الحوار معه و التسامح. كما يجب السماح للمراهق بالتعبير عن أفكاره الشخصية و توجيهه نحو البرامج الفعالة و ممارسة مفهوم التسامح، و التعايش في محيط الأندية الرياضية و الثقافية، و تقوية الوازع الديني من خلال تأدية الفرائض الدينية، و إلتزام الصحبة الصالحة، و مد جسور التواصل و التعاون مع اهل الخبرة و الصلاح في محيطه. كما يجب إتباع النظرية الإسلامية في التربية، و تتبع أربع أسس ( تربية العقل، تربية الروح، تربية الجسد، و تربية النفس )، و تربية العقل للمراهق ، بإشغال أوقات فراغه بالقراءة ، و الأنشطة المفيدة و المشاركة في الأعمال الخيرية و التطوعية ، و مشاركته الرأي ، و الحوار ، وحضور الندوات و البرامج التوعوية و التثقيفية، و الإهتمام بميوله. و تربية الروح بالجانب الإيماني، تلاوة القرآن ، حثهم على أداء الصلاة، الأذكار و التأمل، و تهذيبه بالعبادات ، و تذكيره بنعم الله. و تربية النفس تكون على الطاعات و الثقة بالنفس و قيادة الذات، تبعث السكينة والطمأنينة في نفس المراهق، و القناعة العقلية و الوجدانية والمباعدة بينه و بين الغرور، لنحفظه من الإنحلال و الإستهتار. و في تربية الجسد نتخذ مع المراهق موقفاً إيجابياً من الأخلاق، فلا نتقبل منه أي موقف أخلاقي، دون مناقشة أو تقليب نظر، و تربيته على العادات و التقاليد، من كل النواحي حتى في ملبسه، فقد يندفع المراهق في غمار الحياة لتحقيق رغباته و إشباع دوافعه الفطرية دون إحترام المبادئ الأخلاقية. ما لم يكن هناك وازع من الدين و التربية القويمة، التي تربط القيم الأخلاقية بعقيدة المراهق، و إيمانه بالله تعالى، و وجوب ألتزامه بشرع الله، و ضبط النفس بين دوافعه و ضوابطه و طموحاته و واقعه، و هذه مسؤولية عظمى على عاتق الآباء و كل من جعله الله مربياً أو داعياً لهذه الفئة، تحتاج إلى عون من الله تعالى، و الجهد و الصبر و المصابرة و المثابرة. فوجب علينا أن نوليهم إهتماماً أكبر، و رعاية أفضل و تربية أحرى و أدق، و لأنهم عماد كل أمة و أساسها، و نبض الحياة في عروق الوطن، هيا بنا نبذل قصارى جهدنا في تهذيب أبنائنا المراهقين، ففي بيت كل منا مراهق. أسأل الله أن يهديهم و يصلحهم و يحفظهم و يرزقنا برهم.