*ماذا تعلمت من عام ٢٠٢٣**بقلم : سلطان بن محمد القاسمي*تمر الأعوام، وتكر الليالي، والأيام، وتمضي السنون، وتتآكل الساعات، وتروح الأعمار، وتتعاقب الأجيال وراء الأجيال، وما توقف الكثير أمام مرور هاتيك الأعمار، ومضاء هذه الحيوات، وانقضاء تلك الآجال، ولكن:دعونا نتساءل: ماذا تعلمنا من عامنا الذي مضى؟، وما الذي أعددناه لعامنا الجديد الذي سيأتي خلال ساعات؟قد يكون الجواب أن لاجديد، وهذا ليس مستغربا؛ فنحن قد تعودنا أن نترك الأيام تمضي بنا، ونمضي نحن كذلك معها، وتسوقنا الأقدار حيث شاءت، فهناك إرادة ربانية تسير الجميع!. ومع صحة هذا المعنى، إلا أنه لم يوظف بطريقة صحيحة، ولم يستغل بسبيل مناسبة؛ لأننا نحن أيضا قدر الله الذي منحنا العقل، وأمرنا بالتفكر، وإجالة النظر، وتقليب البصر، (فارجع البصر كرتين) ، وهو القائل- جل جلاله- :”كل نفس بما كسبت رهينة”، فالعمر ميدان الكسب، وهو طريق للسباق الشريف، والرابح من هو منه يزيد، ومن يستزيد من خيرات،وقرب من الله، ويحسن استثمار العمر في كل عمل صالح، ونتاج إنساني كريم، ينفع الناس، ويمكث في الأرض، وكلمة طيبة يبقى أثرها، وتؤتي أكلها ولو بعد حين.أما عن نفسي، فقد تعلمت من العام الذي مضى أن الحياة لا تتوقف لأجل إنسان، ولا تحزن لحزن أحد، ولا تفرح كذلك لفرح بشر، لكنني أرى الدنيا مملوءة فرحا حين أكون سعيدا، أو أرى من أحبهم في سرور، وحبور، وأنا كذلك من يراها حزينة كئيبة حين أكون أنا الحزين، الكئيب، فالدنيا وعاء، ونحن من نملؤه: فرحا، أو حزنا. تعلمت أيضا – بالرغم من ثقل الهموم والأحزان- أنني بإمكاني أن أسعد إنسانا بكلمة جميلة ألقيها في أذنه، فأتركه مسرورا، قرير العين جذلان سعيدا، وبإمكاني كذلك أن أبتسم للوجه الكئيب، فأرسم عليه ابتسامة جديدة لم يعهدها من فترة طويلة، وبإمكاني أن أربت على كتف أخ، وأحنو على صديق بكلمة أو دعاء، فأخفف عنه همومه، وأزيل عنه أحزانه، بدعاء، وعناق، وسؤال، أو هاتف، أو رسالة.تعلمت أيضا أن دوام الحال من المحال، وهو درس قديم يتجدد، فما كل ما تراه اليوم يبقى، ولا كل ما يغيب عنك يظل غائبا، فالدوام لله، وهو الحي القيوم، وبيده ملكوت السموات، والأرض، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويفعل ما يشاء،ويحكم ما يريد.تعلمت أيضا أن احترامي لذاتي هو احترام للآخر؛ لأنني سأختار الصواب، والصواب مقصد كل عاقل، ولأني حين أحترم ذاتي سأعطي أكثر، وأبذل أكثر، وتعلمت أني وحدي أقدر أن أنجز الكثير، لكن مع الآخرين أنجز أكثر ، وأبدع أكثر، فأنا وحدي شيء، ومع الآخرين شيء أجمل، وقديما قالوا:” المرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه”.تعلمت أني حين لا أضع هدفا لنفسي فسيضعني الآخرون ضمن أهدافهم، وسأكون حينها سلبيا لا أفعل شيئا سوى الاستقبال، والتلقي، والأحرى أن أرسم لنفسي هدفا أجاهد من أجله، وأكافح حتى يتحقق، ويكون لي غاية نبيلة أسعى لها، وأجتهد في نوالها.تعلمت أن الحياة مملوءة بالجمال، لكننا نمحقه بين صخور الخجل، وأحجار الخوف، ونوازع القلق، ونحرم أنفسنا من نعمة عظمى نجهل كيف نتلقاها، وكيف نشكرها، وكيف نعيشها، ونأخذ إليها من معنا من أهل، وأبناء، وأحباب. وبعد ان تعلمت كل هذا، وضعت لنفسي هدفا، أسعى في عامي الجديد لأن يتحقق بإذن الله، وسأجمع مع هذا الهدف كل جمال السنين،ونفائس العمر؛ ليكونا لي نفسا أستنشقه حين تضيق الممرات، فإن تذكر النعم من الإيمان.فلنأخذ من مرور الأيام عظات، ولتكن لنا مع أنفسنا وقفات، نستجلي فيها ما مضى، وفات، وننظر بعين الجمال، وبصيرة الأمل لما هو آت، وليكن لنا فيما مضى عبرة، وخير معين، وذكرى، ونمتطيه لتحقيق أنبل فكرة، وأعز هدف، وأرشد انطلاقة لا تعرف الكسل، ولا يقاربها الخجل، أو يعتريها الملل، وليكن شعاري فيما سيأتي قول شاعرنا شوقي:دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان.فارفع لنفسك قبل موتك ذكرهافالذكر للإنسان عمر ثاني