مقال: رعايتهم واجب ديني و إنساني بقلم : عائشة بنت سليمان القرطوبي

اخبار الولاية

بسم الله الرحمن الرحيم وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24). صدق الله العلي العظيم في هذه الآيات، تعظيمٌ لبرّ الوالدين، ووجوب العناية بهما. فقد كرم الله تعالى بني آدم وعظم الشرع حرمة النفس وإعتنى بها، وخص بالرعاية والعناية كبار السن فحث على إحترامهم وتوقيرهم ورعايتهم والبر بهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا”. وفي رواية: “ويوقر كبيرنا”.فبر الوالدين هو إلتزام الإبن برعاية والديه خاصة عند بلوغهم سن الشيخوخة. الشيخوخة مرحلة نمو طبيعية، و فترة يواجه فيها المسنين بعضاً من الصعوبات أو المشکلات ، أو الإضطراب وعدم الإتزان خلال عمليات التوافق النفسى و الإجتماعي، و هي مرحلة مليئة بالصراعات النفسية والتحديات مع الذات ومع المجتمع. فَيُعَرَّف المسنون بأنهم تلك الفئات من الأفراد داخل المجتمع ممن بلغوا سن الستين عاماً وما بعدها، و أصبحوا عاجزين عن رعاية أنفسهم ، إثر تقدمهم في العمر، نتيجة مجموعة تغيرات فسيولوجية وسيكولوجية، متأثرين بما يستحدث من حولهم، مما يؤثر علي أحوالهم إجتماعياً ونفسياً . لذا فالمسنون يعانون في هذه المرحلة من الکثير من المشکلات ، فهم بحاجة إلي الرعاية والإهتمام، لمساعدتهم علي التکيف والتوافق مع التغيرات الجديدة التي تطرأ في حياتهم .في هذا العمر هم بحاجة إلى الرعاية من جميع النواحي النفسية والصحية، والحرص على توفير كلّ وسائل الراحة لهما، فهم بحاجة إلى من يخدمهم، ويُؤنس وحدتهم.و بر الوالدين واجب ديني و أخلاقي، و من أفضل الطاعات التي تقرب العبد إلى ربه، و أعظم حق على العباد، بعد حق لله عليهم، يُعادل الجهاد في سبيله، فقد جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستأذنهُ في الجهاد، فقال: أحَيٌّ والِداك؟ قال: نعم، قال: فَفِيهِما فَجاهِدْ) [صحيح البخاري]فسبحان الله ما أرحمه بعباده، جعل بر الوالدين أفضل الأعمال و أحبها إليه، و رعاية الوالدين تعتبر مظهرا من مظاهر رعاية كبار السن، و لعظم بر الوالدين و كسب رضاهم، جعل الله دعوة البار مستجابة، و يشعر براحة نفسيةٍ كبيرةٍ، فهو يؤدي واجباً دينياً كبيراً، وواجباً أخلاقياً، ويرد جزءاً من الجميل لوالديه بخدمتهم وهم كباراً كما خدموه وربّوه وهو صغيرٌ. فيكسب محبّة الناس، وينال تقديرهم، ويكون قدوةً لأبنائه، فيبروه كما يبرّ والديه ، فكبير السن المؤمن له مكانته عند الله، ولا يزاد في عمره إلا كان له خيرا. فتوقيره والتشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم . فإذا أحسن الشباب للشيوخ كان ذلك سببا لأن يقيض الله لهؤلاء من يكرمهم عند كبرهم.قال الله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}. فوجب علينا جميعاً التعاون بهدف تعزيز رفع مستوى الوعي المجتمعي بقضايا كبار السن، و القيام على خدمتهم و رعايتهم بتسهيلات إحتياجاتهم، وترسيخ مفهوم الشيخوخة النشطة ورفع مستوى مشاركة كبار السن في تخطيط البرامج المقدمة لهم والقضايا التي تتعلق بهم وتكافح إنعزالهم السلبي، الذي يتسبب في سوء توافقهم الإجتماعي. فهم بحاجة إلى إشباع الحاجة النفسية و الإجتماعية كالحاجة إلى إحترام الأبناء و الأحفاد المحيطين بهم و تقديرهم و مساعدتهم . إن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1991 إعتمدت مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن بموجب القرار رقم 91 / 46 . إشتملت هذه الوثيقة على خمسة مبادئ: ١- مبدأ الإستقلالية : وخلاصة ما ينص عليه هذا المبدأ ضرورة أن يتاح لكبار السن إمكانية الحصول على ما يكفي حاجتهم من الغذاء، والماء، والمأوى، والملبس، والرعاية الصحية. ٢- مبدأ المشاركة: و ينص على ضرورة أن يتاح لكبار السن فرصة الإندماج في المجتمع، وأن يشاركوا بنشاط في صياغة وتنفيذ السياسات التي تؤثر في رفاههم، وأن يقدموا للأجيال الشابة تجربتهم. ٣- مبدأ الرعاية: ينص على أن يستفيد كبار السن من رعاية وحماية الأسرة والمجتمع وفقاً للقيم الثقافية في المجتمع، سواء على مستوى الرعاية الصحية، أو على مستوى الخدمات الإجتماعية أو القانونية. ٤- مبدأ تحقيق الذات: ويشير هذا المبدأ إلى ضرورة تمكين كبار السن من إلتماس فرص التنمية الكاملة لإمكانياتهم. ٥- مبدأ الكرامة: و يشير إلى ضرورة تمكين كبار السن من العيش في كنف الكرامة و الأمن ودون الخضوع لأي إستغلال أو سوء معاملة جسدياً أو ذهنيأ. و إننا نطمح إلى إبتكار برنامج صحي شامل متطور يوفر رعاية صحية خاصة بأمراض الشيخوخة، إلى جانب الحرص على أن تكون الخدمات المقدمة لفئة كبار السن من أولويات برامج الرعاية المجتمعية والمسؤولية الإجتماعية والبرامج التنموية الإجتماعية.و تحقيق مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن. فكبار السن يستحقون أن نرد لهم الجميل بأفضل صور الإحسان و أن نبرهم بكل أشكال البر، حيث تبقى العناية بهم واجباً دينياً، ومصلحة وطنية، وضرورة إنسانيّة، فكلها حلقات متكاملة ومتشابكة ، والعنوان الوحيد لها هو كبير السن ، فحقه أن يجد الرعاية المناسبة، والحضن الدافئ، والتصرف الحكيم.من الأشخاص المحيطين به .رزقنا الله و إياكم بر الوالدين في حياتهم و بعد مماتهم و الإخلاص في القول والعمل الصالح لوجهه الكريم تبارك و تعالى رب العالمين .