إذا مُنع المتهم من الإستعانة بمحام في مرحلة جمع الاستدلال ( في مركز الشرطة) ، هل يترتب على ذلك بطلان إجراءات الإستدلال؟المحامية/نور بنت اسماعيل البلوشيهاللجنة القانونية للمحامين والقانونين بصحم/نادي صحم الرياضي الثقافي

اخبار الولاية

يقول الحق تبارك وتعالى :(قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ )من منطلق هذه الاية الكريمة كان للمتهم الحق في أن يستعين بمحام يدافع عنه في أي جريمة تنسب إليه ، وبالنظر إلى المادة رقم (٢٨) من النظام الاساسي للدولة والمادة رقم (74) من قانون الاجراءات الجزائية نرى بأنَّ المتهم أُعطيَ الحق في أن يستعين بوكيل قانوني للدفاع عنه ، إلا أنَّ البعض قد يتساءل عن مدى أحقية المتهم في اصطحاب محام معه في مرحلة جمع الاستدلال ، وهل يكون بطلان الاستدلال جزاء عدم تمكين محام المتهم من حضور هذه المرحلة مع موكله ؟ وللحديث عن هذا الموضوع ، يجب أن نستقرأ  المادة رقم (74) من قانون الاجراءات الجزائية التي تنص على أنه : (لكل من المتهم والمجني عليه والمدعى بالحق المدني والمسؤول عنه ومن يدافع عن أي متهم الحق في حضور إجراءات التحقيق الابتدائي ..) ، ومؤدى هذا النص يقودنا إلى التفرقه بين مرحلتين من مراحل سير الدعوى الجزائية ، وهما : المرحلة الاولى : وتُعرف بمرحلة جمع الاستدلال ، والتي عادة ما تباشَر من قبل مأمور الضبط القضائي ومن رجالات الشرطة والأمن العام ومن تم تعينهم في دوائر اختصاصهم  لمباشرة هذا الاختصاص بنص القانون .المرحلة الثانية : وتُعرف بمرحلة التحقيق الابتدائي والتي تباشر إجراءاتها من قبل الإدعاء العام بصفته صاحب الاختصاص الأصيل بتحريك الدعوى الجزائية .والملاحظ من نص المادة – محل الحديث – أنها تضمنت عبارة : “ومن يدافع عن أي متهم الحق في حضور إجراءات التحقيق الابتدائي” ، مما يعني أن المشرع العماني قد نظّم حق المتهم في حضور محاميه في مرحلة التحقيق الابتدائي الذي يجريه الادعاء العام ، ولم يتطرق إلى مسألة حق المتهم في اصطحاب محامٍ معه في مرحلة جمع الاستدلال .وعليه ، يتبين أن دور المحام في هذه الاجراءات تبدأُ من المرحلة الثانية – مرحلة التحقيق الابتدائي – ، وقد أكدت على ذلك المادة رقم (115) من ذات القانون المشار إليه ، والتي نصت على أنه : “يجب السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة وفي جميع الاحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه” ، وبما أن النص الصريح ، فأننا يمكن القول أنه لا دور للمحامي في التشريع العماني أثناء مرحلة جمع الاستدلال ، ولا ينال من ذلك الدفع أمام المحكمة بشأن بطلان محضر الاستدلال بسبب أن مأمور الضبط القضائي – الشرطة في أغلب الأحوال – منع المحام من الحضور مع المتهم أثناء تحريره لمحضر السؤال أو الاستدلال ، وإنّ هذا الدفع برمته غير سديد ولا يتلاقى مع الغاية التي أرادها المشرع من النص ، كما أنه لا تثريب على مأمور الضبط القضائي إذا لم يسمح للمحامي بالحضور مع المتهم أثناء مرحلة جمع الاستدلال ، فهم بموجب القانون غير ملزمين بتمكينهم من ذلك ، ولا يترتب أي بطلان على اتخاذ مثل هذه الاجراءات .ويُلاحظ أن المشرع العماني وبهذه النصوص قد تأثر كثيرا بالتشريعات التي ترفض تمكين المتهم من الاستعانة بمحام في مرحلة جمع الاستدلال ، بعكس ما هو مقرر في القوانين الانجلوسكسونية والايطالية والأمريكية ، والتي أعطت الحق للمتهم في الاستعانة بمحام في مرحلة جمع الاستدلال؛ بل إن له حق مقرر في هذه التشريعات وهو أن يستعين بمحاميه لمجرد أن يتم إيقافه من قبل مأمور الضبط القضائي .ومما تقدم ، ولأن النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٢٠٢١/٦ قد أشار في المادة رقم (٨٨) منه إلى دور المحامي في مرحلة جمع الاستدلال حسب النحو المبين في القانون وذلك حين نصت المادة على أن: “المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع، يمارسها المحامي مستقلا، لا يخضع إلا لضميره وأحكام القانون، ويتمتع المحامون جميعا – في أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم – بالضمانات والحماية التي تقررت لهم، مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والاستدلال ، وذلك على النحو الذي يبينه القانون ” ، فإني أرى بأنه لابد من استحداث نص إجرائي جزائي يُعطي المتهم حق الاستعانة بمحاميه في مرحلة جمع الاستدلال ، على أن يترتب على عدم التمكين البطلان كجزاء للإخلال بهذا الحق ، وذلك لأهمية هذه المرحلة وأثرها الكبير على مآلات التحقيق الابتدائي والنهائي كذلك .