مقال : ما لا يُدرك كله.. لا يُترك كلهبقلم : سلطان بن ناصر القاسمي

اخبار الولاية

قبل بضعة أيام كنا نستمتع بأجواء رياضية مثيرة مع مشاركة منتخبنا الوطني في كرة القدم في نهائيات كأس آسيا 2023 في الدوحة، وكلنا شاهدنا تفاعل الشارع الرياضي في سلطنة عمان وردة فعلهم تجاه نتائج مباريات المنتخب وسمعنا جميعاً تحليلات من هنا وهناك، والتي انصبّت كلها على اتحاد كرة القدم ومدرب المنتخب واللاعبين.أنا هنا لا أعفي هذه المنظومة كلها من المسؤولية، وهم نعم يتحملون المسؤولية من حيث التوازن في الطموح والتخطيط له وبين الواقع الرياضي الحالي في سلطنة عمان وبالتالي يتوجب عليهم في حالة عدم المقدرة التنحي عن تلك المسؤولية لأشخاص قادرة ولديها من الفكر والوعي الرياضي الاستطاعة على تسيير واقع الرياضة وكرة القدم بالأخص. لكن من خلال قراءتي للمشهد الرياضي المحلي فإن هناك استراتيجية تحتاج إلى مراجعة عامة؛ سواء من ناحية توجه الحكومة ممثلةً بوزارة الثقافة والرياضة والشباب الموقرة ومستوى الدعم المالي المقدم للرياضة من الحكومة وكذلك المساندة الحقيقية من القطاع الخاص ورجال الأعمال بالسلطنة، وماهية الشراكة الحقيقية في مجال الرياضة بينهما، والنتائج المرجوة من هذه الشراكة.وقبل أن نخوض في معرفة الواقع الحالي لا بُد أن نرجع إلى الوراء ونستذكر جميعًا الإنجازات التي تحققت للرياضة العمانية في جميع المجالات مثل كرة القدم والمتمثل في قطاع المراحل السنية وأيضًا بعض الإنجازات وإن كانت قليلة للمنتخب الوطني الأول، وكذلك بعض الإنجازات في مجال ألعاب القوى وكرة الطائرة وكرة اليد، والمشاركات البسيطة لكرة السلة وغيرها من الرياضات، كل هذه الإنجازات تحققت نتيجة لعمل إداري واضح ومتوازن بين الخطط الموضوعة والطموح المنشود المبني والمرسوم على الموارد المالية والبشرية المتوفرة بعيدا عن المصالح الشخصية. وعلى عكس ما تم في السابق، فإن الوضع الحالي يشير إلى أن الرياضة في عُمان “تمشي على البركة”، حتى وإن كانت هناك خطط واستراتيجيات تعمل من خلالها جميع الاتحادات الرياضية والتي تعتمد على الظهور الشخصي بعيدًا عن العمل الإداري الجماعي لدى الاتحادات؛ حيث لم نجد ولم نشاهد يومًا من الأيام أي نشاط أو ظهور لأعضاء مجالس الإدارات في أي تصريح أو مشاركة فاعلة مع المنتخبات.المتابع للشأن العام في سلطنة عمان يجد أن الحكومة تضع لها أهدافًا محددة تُنجزها تواليًا، والمتتبع لذلك يجد أن التوجه الحكومي الآن لتقليص الدين العام والعمل على تنمية الاقتصاد العماني، وكذلك تحسين مستوى المعيشة للمواطنين مع الاهتمام بتنوع مصادر الدخل العام للدولة من خلال التركيز على السياحة وغيرها من الجوانب التنموية.وعليه لا نستطيع أن نصل إلى ما وصلت إليه الدول المحيطة بنا في الرياضة لأنها تمتلك أهدافًا مستقبلية في هذا المجال.ومن وجهة نظري لا بُد من إعطاء قطاع الرياضة أهمية أكبر بحيث نستطيع أن نكون قريبين ممن حولنا ولا نتأخر كثيرًا، وعلينا أن نبدأ في الاهتمام بالجانب الرياضي في سلطنة عُمان لكي لا يبتعد الركب عنَّا ولا نستطيع اللحاق بهم.لقد كانت خطابات جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تؤكد دائمًا على الاهتمام بالشباب، وأكد جلالته- أبقاه الله- على أن الشباب في أولويات اهتماماته واهتمام الحكومة، حيث شدد خطاب جلالته على أن الشباب يحظون بمتابعة من لدن مقامه السامي لكل شؤونهم والجهود التي تبذل من أجلهم، ومن أجل إشراكهم في بناء الوطن، وبالتالي يضع ذلك الاهتمام بالشباب وشغفهم في الرياضة، لذا يجب على المسؤولين عن قطاع الرياضة والاتحادات الرياضية بشكل عام المضيء قدمًا في زيادة الاهتمام بتحقيق إنجازات رياضية تساهم في رفع اسم سلطنة عمان، وبالتالي رسم البسمة والفرحة على وجوه الجمهور العماني. هنا أوجه ندائي للحكومة الموقرة ولوزارة الثقافة والرياضة والشباب بأن يتم التركيز الآن في مراجعة وإعداد أنظمة وقوانين تركز على آلية اختيار الجمعيات العمومية للأندية والاتحادات الرياضية، لأن ما يحدث الآن واضح للجميع بأن المصالح الشخصية تتقدم على الصالح العام بالرياضة، والوجاهة والنفوذ لدى البعض في الاتحادات أهم من الصالح العام، وأجزم أنه لو تم وضع الأرضية القانونية للرياضة واللوائح في آلية عمل الجمعيات العمومية في اختيار رؤساء الأندية والاتحادات مع الدعم الحالي للرياضة وعمل شراكة حقيقية مع القطاع الخاص على أن يكون ذلك الدعم موجه من قبل الوزارة الموقرة، فسيؤدي ذلك إلى تطور الرياضة في سلطنة عمان.وهنا لابد من التركيز على الآتي:1- إجراء تعديلات على قوانين الجمعيات العمومية، بدايةً من الفرق الأهلية، والأندية، والاتحادات الرياضية، مع تبسيط عملية استخراج بطاقات العضوية.2- قبل إجراء الجمعيات العمومية للاتحادات، يجب أن تعقد الأندية جمعيات عمومية خاصة بها، ويجب إشراكها في اختيار من يمثل هذه الاتحادات، مع تجنب ترك المسؤولية على رئيس النادي وتفضيل مصالحه الشخصية.3- تطوير الدوريات المحلية وتعزيز الاهتمام بقطاعات الناشئين والشباب.4- توجيه القطاع الخاص لدعم الأندية والرياضة، مع توجيه الدعم من قبل وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وتفعيل الرقابة الإدارية والمالية.5- دعم الأكاديميات الرياضية واكتشاف المواهب الشابة من خلال الدوريات وتجميع أفضل المواهب، وتعزيزها من خلال عمل توأمة مع الأندية الأوروبية في استراتيجية عمل مشتركة.6- زيادة معقولة في دعم الرياضة بشكل عام، لا يقتصر على كرة القدم فقط.7- تعزيز الشراكة بين الإعلام ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، مع إحياء البرامج الحوارية حول واقع الرياضة العمانية، وتجنب التوجهات الموجهة من الاتحادات الرياضية والإعلاميين.8- إشراك الشارع الرياضي في جلسات حوارية تحت إشراف الوزارة المختصة أو المحافظات، مع مشاركة الفاعلين في الاتحادات الرياضية، وتقديم تقرير شامل حول تطلعات وطموحات الشارع الرياضي في سلطنة عمان، مع تسليط الضوء على المعوقات الحالية التي أثرت سلبًا على الإنجازات الرياضية الحالية.9- تقويم عمل الاتحادات الرياضة إداريا وفنيا من قبل الوزارة المختصة، نظرا لكونها الممول المالي لتلك الاتحادات.وفي الختام.. أدعو إلى تبني استراتيجية ورؤية مستقبلية للرياضة في سلطنة عمان، مع التركيز على تطوير البنية الأساسية، وتعزيز الشفافية والحوكمة في الأندية والاتحادات، وتشجيع المواهب الشابة، فبمثل هذه الجهود، يمكن أن تكون الرياضة عاملًا حيويًا في بناء مجتمع صحي ومتقدم في سلطنة عمان.