#مقال / الجندي المجهول.. عالَمٌ من الحقيقة بقلم: سلطان بن محمد القاسمي

اخبار الولاية

*عندما يذكر الجندي المجهول فإن أول ما يتبادر إلى الذهن ذلك التقليد الذي اتبعته بعض الدول الأوروبية وبعض دول الشرق بعد الحرب العالمية الأولى بعدما تبين أن جثث الكثيرين من الجنود الذين لقوا حتفهم في المعارك لايمكن التعرف عليها، وقررت بعض الحكومات تكريم ذكرى هؤلاء الجنود بطريقة خاصة، ذلك باختيار جندي مجهول رمزي ودفنه في العاصمة القومية، وبناء نصب تذكاري عليه، وهذا بلاشك من الوفاء لذلك الجندي وإن ظل مجهولا.لكن يا ترى هل الجندي الذي نجهل اسمه هو الوحيد الذي نجهله! أم أن هناك جنوداً مجهولين في حياتنا اليومية، في بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا، هل ندرك أننا نجهل جنوداً كثر هم يقفون خلف نجاحات معظم المتقدمين والمعلومين لنا؟ تساؤلات بسيطة قد تجيب عن سؤالنا الكبير..لو سألنا أي عظيم من الحكماء في العالم عن سر نجاحه وحكمته.. لما توانى عن إخبارنا بأن هناك أم عظيمة أو أب عظيم وراءه، كان يعلمه ويلهمه ويؤدبه .. ولو سألنا أي فنان مشهور في العالم لما تردد في إعلامنا أن وراءه زوجة عظيمة أو أخت عظيمة أو أم عظيمة أيضاً.. وهكذا نسأل المتفوقين من الأدباء والشعراء والوزراء والقادة الأبطال والعلماء وغيرهم .. فإني لن يترددوا أن يعلنوا الحقيقة حقيقة العظمة في الجندي المجهول الذي يقف وراءه داعما ومشجعا ومسليا ومساندا… فهو لولا أب كريم ما نجح، ولولا أم فاضلة ما تعلم الحكمة، ولولا أخت شجاعة ما تعلم الشجاعة، ولولا زوجة صابرة ساهرة ما تعلم الإقدام.. لكن هل هذا يكفي!!أبداً.. يبقى في المؤسسة هناك أيضاً جنودٌ مجهولون يبذلون من أجل الإنجاز، يسهرون من أجل الهدف، يواصلون الليل بالنهار من أجل النجاح، يمرون من أروقة الإدارة بهدوء، لكنهم يمضون فيما كلفوا به بلا ضجيج، ولا تذمر، ولا استياء، وربما هم الجهد الأكبر في نجاح المدير، أو المسؤول، هذه هي الحقيقة وهذا هو المطلوب، لكن الوجه الغائب من تلك الحقيقة هو هل أن هؤلاء الجنود معلومون أم مجهولون؟وعلى هذا المنوال نتحدث عن إدارة الأعمال الصحفية والإذاعية والتلفزيونية، من نشر وتوزيع ودراما وانتاج وغير ذلك، فالمقال الذي يوضع في برواز جميل وفي أعلاه صورة ناصعة الجمال لصاحب المقال، ونص المقال قد اختير له أجمل الخطوط، إن هذا الجهد هو جهد الجندي المجهول وهو المصمم والمنسق والمنضد، والدراما التي تظهر للمشاهد شخصيات مميزة وناجحة، هي دراما يقف خلفها المخرج والمنتج والكاتب والمصمم والراعي والمصور وحشد من الجنود الذين تظافرت أدوارهم ليكون البطل الفلاني الذي يحصد الجوائز والعطايا، وينال الشهرة والأضواء في العالم. وفي الصحيفة التي تقد بين يدي القاريء فيجد فيها من الأخبار من كل أنحاء العالم، ومن القضايا ما يهم المجتمع والدولة، ومن الصور ما تنبئنا بالواقع البعيد والقريب، إن هذا الجهد هو جهد العشرات الذين لايعرفهم القاريء ولايراهم، لكنه يقطف من بساتينهم ثمارا، ومن نجومهم أنوارا، والآن بإمكان أي إنسان يسأل نفسه هذا السؤال، من هو الذي يساندني، ويعلمني، ويساعدني، ويسهم في تحقيق واجباتي، ويسهر، ويصبر، ويسأل، وغير ذلك من الجهود الاجتماعية والوظيفية من أجل أكون؟ من؟ لاشك سيجد أن الجندي المجهول ليس هو المقتول في أرض المعركة ونجهل اسمه وحسب، بل قد يكون معلوم الاسم مجهول التقدير، مجهول الإعتراف بفضله ودعمه…هذا الحديث لايحمل أي تجاهل أو إنكار للجهد والمهارة والبذل الذي يقدمه الناجح والمميز.. أبداً، فهناك متميزون صنعوا من أنفسهم أبطالاً وكباراً، لكنما هو حديث يحمل في طياته إشارات الدلالة إلى تلك الصفوف التي وقفت وراء البطل ليكون بطلا وخلف القائد ليكون قائدا، فضلا عن جهده هو وعطائه ومثابرته الشخصية وإصراره على النجاح والتميز.