مقال : الفرق الخيرية بين الواقع والطموحبلقلم : ‫سلطان بن ناصر القاسمي‬‫

اخبار الولاية

قال تعالى: “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ: (البقرة:261).. يُمثل القرآن الكريم في هذه الآية المباركة المشروعية والأجر العظيم للتصدق والإنفاق في سبيل الله وبذل الخير، للفقراء والمساكين والمحتاجين.‬‫وفي سلطنة عُمان تُعتبر الفرق الخيرية أحد الأعمدة الرئيسية في العمل الإنساني والتطوعي؛ حيث تنشط في مختلف الولايات والمحافظات، وتعمل على تقديم الخدمات الإنسانية للفئات المحتاجة بين أفراد المجتمع؛ وذلك تحت إشراف وتنسيق من وزارة التنمية الاجتماعية الموقرة، وتشترك هذه الفرق في بعض الولايات مع لجان الزكاة لتحقيق الأهداف الخيرية المشتركة. ومع ذلك، تختلف منهجيات العمل لهذه الفرق من فريق إلى آخر ومن ولاية إلى أخرى، وتتداخل أعمالهما؛ مما يؤدي لتباين النتائج والشمولية على الفئات المستهدفة؛ حيث نلاحظ وجود فرق خيرية متميزة تقدم أعمالًا خيرية تعود منفعتها على فئة كبيرة من المجتمع، ونود أن نعرب عن شكرنا وتقديرنا لها جميعًا.‬‫وعند النظر في أعمال تلك الفرق، نجد أنَّها تندرج تحت مظلة واحدة، ولكنْ هناك اختلاف كبير بينها؛ حيث إنَّ إستراتيجية بعض الفرق واضحة وتتفوَّق على الفرق الأخرى في الولايات الأخرى؛ حيث تمكنت من تلبية احتياجات أسر الضمان الاجتماعي وأسر ذوي الدخل المحدود، بينما للأسف لم تستطع الفرق الأخرى تغطية تلك الاحتياجات بشكل كامل، وأرى أن هناك عدة أسباب لذلك؛ منها: التداخل بين عمل تلك الفرق ولجان الزكاة في نفس الولاية، وأسلوب عملها القائم على جمع الأموال من خلال نشر صناديق التبرع فقط عن طريق المعرفين في القرى، والذين ينحصر دورهم في نطاق جمع الصدقات، بينما الواجب أن يكون عمل هذه الفرق أسمى وأكبر من ذلك.‬‫ومن ضمن الأسباب أيضا: عدم توجيه الفرق إلى من يتوجب عليهم إخراج الزكاة سواء كان مؤسسات خاصة أو أفراد ميسوري الحال، والذين يدركون أهمية الزكاة شرعا، ويترك ذلك العمل اختياريا لمن يستطيع أو لديه المقدرة في إخراج الزكاة، وهنا تكون محدودية إيصال المعونات للمحتاجين في القرى قليلة وغير واضحة في عمل تلك الفرق.‬‫وأعتقد أن دور الفرق الخيرية يجب أن يكون أكبر وأشمل من ذلك، ويجب توسيع تلك الأدوار من خلال:‬‫1- إنشاء فروع للفرق الخيرية في كل قرية تتبع الفريق الخيري في الولايات؛ بمعدل 3 إلى 4 أشخاص يثق المجتمع في أمانتهم وعملهم الخيري؛ بحيث تكون هذه الفروع مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفريق الخيري التابع للولاية، وذلك لتحقيق شمولية العمل الخيري وتوصيل المساعدات للمحتاجين فعلًا في كل الولاية.‬‫2- تشكيل لجنة تابعة للفريق الخيري في كل ولاية، بغرض الوصول إلى كافة الهيئات والمؤسسات الخاصة في الولاية والأفراد الذين يمكنهم دفع الزكاة والصدقات.‬‫3- تنظيم ندوات وورش توضيحية عن أهمية الزكاة شرعًا، وأهمية التبرع بما يزيد عن حاجة الإنسان، بالتنسيق مع المختصين في وزارة الأوقاف والشون الدينية.‬‫4- إشراك أصحاب السعادة المحافظين وأصحاب السعادة الولاة، وذلك للتواصل مع بعض الشخصيات المهمة في الولايات ممن يستصعب الوصول إليهم عن طريق الفرق الخيرية، وذلك لتقديم الدعم المعنوي لتحصيل الزكاة.‬‫5- تشكيل جمعية عمومية لتلك الفرق، وتعيين إدارة جديدة للفريق الخيري كل 4 إلى 5 سنوات، تحت إشراف مكاتب سعادة الولاة، لكي يتمكن المجتمع العام من المشاركة في تقييم أداء الفريق خلال تلك الفترة.‬‫6- خضوع تلك الفرق الخيرية للرقابة المالية من قبل الوزارة المعنية.‬‫7- تقييم عمل الفرق الخيرية من قبل الوزارة المعنية، من خلال إنشاء مسابقة لتقييم أعمال تلك الفرق.‬‫8- دمج إدارة الفرق الخيرية ولجان الزكاة في فريق واحد لتجنب الازدواجية في العمل.‬‫9- الاستفادة من أعمال الفرق الخيرية الرائدة في هذا المجال كفريق نزوى الخيري، وفريق عبري الخيري، لما يتمتع به كلا الفريقين من سمعة طيبة وذلك لوجود إدارة قوية وإستراتيجية عمل واضحة.‬‫1- الملاحظ في الوقت الحالي أنَّ بعض هذه الفرق تنشط في شهر رمضان وعند اقتراب عيد الفطر وعيد الأضحى من خلال نشر صناديق جمع الصدقات، وزكاة الأبدان، وأما في بقية العام لا نسمع أو نشاهد لها أي دور، لذلك من الأفضل عليها الاستمرار في نشاطها ودورها على مدار العام، وليس فقط في فترات محددة، كذلك تعزيز وجودها ورؤيتها الإنسانية والاجتماعية في المجتمع بشكل مستمر ومستدام، حتى تكون قادرة على مواجهة التحديات وتلبية الاحتياجات العامة بشكل أكبر.‬‫وللتأكيد، فإنَّ طرحي هذا لا يعني أن الفرق الحالية لا تعمل بشكل جيد؛ فنحن نُقدِّر ونحترم الجهود التي يبذلونها، ولكن لدينا طموح أكبر لتغطية فئات أكبر من الأسر المحتاجة والوقوف بجانبها بشكل أكثر من توفير الطعام والشراب، والاحتياجات الأسرية الأخرى وهناك أدوار أخرى يمكن أن تقوم بها تلك الفرق في توفير المساكن المناسبة وصيانة بعضها نظرا لوجود أسر من ذوي الدخل المحدود التي تكون خارج مظلة عمل وزارة التنمية الاجتماعية.‬‫إننا نُدرك أهمية الدور الذي تقوم به الفرق الخيرية في سلطنة عمان، ونثمِّن العمل الجاد والتضحيات التي يقدمها أفرادها في خدمة المجتمع. ومع ذلك، فإنَّ ثمة حاجة ملحة لتعزيز هذا الدور وتوسيع نطاقه؛ من خلال اعتماد إستراتيجيات جديدة تُسهم في توحيد المنهجيات وتحسين كفاءة العمل الخيري، ويجب أن يكون هناك تعاون وتنسيق أفضل بين الفرق الخيرية ولجان الزكاة في كل ولاية، وتوفير الدعم المالي والمعنوي اللازم لتنفيذ الأعمال الخيرية. ومن الضروري أن يتم تقييم أداء الفرق الخيرية بشكل منتظم، وتوفير التدريب والتطوير لأعضاء الفرق، وضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية.‬‫باختصار.. إنَّ تعزيز وتطوير الفرق الخيرية يعد تحديًا مهمًّا لضمان تقديم الخدمات الإنسانية بشكل أكثر فاعلية وشمولية، ويجب علينا جميعًا العمل معًا -الفرق الخيرية، والحكومة، والمجتمع- لتحقيق طموحنا المشترك في بناء مجتمع أفضل، وتحسين جودة حياة الأفراد، والأسر المحتاجة في سلطنة عمان.