مقال : إدارة الأزمات وتحديات المستقبل بقلم : الأستاذ علي المرزوقي

اخبار الولاية
أصبح تفعيل دور تخصص إدارة الأزمات (Crisis Management) من الضروريات التي تفرض نفسها بقوة في الوضع الحالي، فمع التطورات المتسارعه، والأزمات المختلفه، والمتغيرات المتنوعه تلجأ الكثير من المؤسسات إلى وضع حلول مباشره غير مدروسة التأثير والنتائج، وتجربة خطط سريعه قد تلائم وقد لا تلائم الوضع الاستثنائي الذي تمر به، وقد ينتج عن بعض الحلول السريعة نتائج سلبية متنوعه تلقي بظلالها على تلك المؤسسات والأفراد، بينما تعتمد الكثير من المؤسسات المحلية والدولية الناجحة والمطورين والشركات الفعالة إلى وضع الخطط التي تحوي بين طياتها أغلب الظروف الإستثنائية المحتملة والمتغيرات الدخيلة والمشاكل الفجائية التي قد تؤثر على سير العمل في تلك المؤسسات، وتضع لها الخطط الكفيلة بالتعامل معها وفق الحاجه، فهي تقوم على مبدأ توقع المشاكل والتحديات ووضع الحلول المناسبة لها، وترتيبها حسب الأفضلية من حيث الجودة والكلفة والسرعه، فهي تتوقع الداء قبل حدوثه بناء على وضع المؤسسة والجوانب التي تتعاطى معها، وتصف الدواء المناسب له وأفضل الطرق للحصول عليه، وذلك للحد من تأثيره السلبي في حال وقوعه. وهذا هو المنهج العلمي السليم للحد من النتائج الكارثية الكبيرة للمتغيرات الفجائية المتوقعة والغير متوقعه والتي قد تصيب الدول والمؤسسات، وذلك مصداقا لقوله تعالى:”وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل”، فإعداد القوة بالإستعداد الحقيقي قبل وقوع الحدث بالتخطيط السليم وتوفير الموارد والتدريب والتأهيل والتمكين، قد يمنع وقوع المشكلة أصلا، وإن وقعت فالحلول متوفرة، والموارد جاهزة، والإمكانيات في أفضل حال، وذلك ينحسب على الدول والمؤسسات والأفراد. وقد برز ذلك جليا مع إطلالة العام 2020م، حيث ظهرت الكثير من التحديات الدولية، والمشاكل الإقتصادية والصحيه والتي نتج معها الكثير من التبعات الإجتماعية والنفسية والسياسية، منها ما كان توقعه سهلا ووضع الحلول المناسبة للتعاطي معه والتقليل من آثاره قبل وقوعه أسهل، كمشكلة تداعي أسعار النفط، ومنها ما كان خارج الحسبان، وتوقعه ضربا من الخيال كجائحة كورونا (كوفيد١٩) والتداعيات التي نتجت عنها. فالريح العاتية التي عصفت بأسعار النفط وتسببت بهبوطه السريع الغير مسبوق في التاريخ الحديث، حتى أصبح يباع بأقل من سعر الانتاج الحقيقي له، بعقود آجلة طويله، واصبحت الناقلات العملاقة تجوب البحار والمحيطات بحثا عن ذلك المشتري الثمين الذي يخلصها من أعباء الحمل الثقيل من على ظهرها، هو من الأمور المتوقعة حدوثها بشكل أو بآخر، وقد كان ومازال لذلك الأمر تأثيره السلبي الكبير على الدول المنتجة والتي يعتبر فيها النفط المورد الأساسي الذي تقوم عليه جل ميزانياتها، ويرتكز عليه قوام حياتها، وليس بالأمر العسير على المتمعن في ذلك الأمر أن يستقرئ مستقبل سوق النفط المتقلب، والذي هو كغيره من الأسواق التي تتأثر بالعرض والطلب، وبالتالي يخلق البدائل المناسبة التي تقلل من الإعتماد على ذلك المورد الناضب، لكي تساهم في رفد الميزانية بالكثير من الأموال، وتقليل الإعتماد على النفط إلى أقل مستوى ممكن وفق خطة واضحة المعالم والرؤى. إن المستقبل يصنع وفق القدرة على الاستفادة القصوى من الإمكانيات الحالية المتاحه، وقد حبانا الله بإمكانيات جغرافية وثروات وطنية وعقول عبقرية لا تعد ولا تحصى، ولكن تبقى طريقة استثمار هذه الإمكانيات، وتسخيرها وتوجيهها إلى الإتجاه السليم، واتباع المنهج العلمي الواقعي في الحفاظ على ثروات هذا الوطن العزيز وتطويرها لخدمة الأجيال القادمه، وليس أصدق من قول ذلك الحكيم العربي الذي يعبر عن الأمانة والصدق في العمل للحاضر ومراعاة المستقبل عندما قال”زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون”. فإن كان زرعنا معتمدا على مبادئ العلم الحديثه، واستثمار الطاقات الكامنه، ورسم وتطبيق الخطط الواضحة ذات النتائج الفعاله، فسيؤتي ذلك الزرع أكله بعد حين بإذن ربه نتائج إيجابية على جميع الأصعدة والمستويات، وإن كان زرعنا عشوائيا، يفتقر إلى مبادئ العلم والتخطيط والتنظيم والأمانة في جميع النواحي، فلننتظر النتائج الكارثية التي ستئن الأجيال القادمة تحت وطأتها، وستلعن اخراها اولاها. وكل ذلك لخصة الحق تبارك وتعالى في آية واحدة في سورة الكهف عندما قال جل وعلا:” وكان أبوهما صالحا..”، فصلاح الآباء ينتج عنه حفظ الأبناء وتمكينهم في الأرض، وصلاح القدوات ينتج عنه نجاح الخطط وتوفيق الخطوات، فلننظر إلى المستقبل قبل نظرنا إلى الحاضر، ولنمكن للمطورين واصحاب الفكر والعلم لكي يغدوا مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة ناصع البياض، محفوفا بالأمان، ومدعوما بالإيمان، وذلك بتفعيل دور هذا الجانب الفكري والعملي الهام وهو إدارة الأزمات من أجل أن نستطيع التعاطي مع تحديات المستقبل المختلفة. فما حدث في الماضي البعيد والقريب من تحديات ليس هو أول التحديات ولا آخرها، فالعالم متغير متلون، وما نعتبره اليوم من المسلمات قد يكون في المستقبل القريب من أكبر التحديات، والعاقل من اتعض بغيره، والمجنون من اتعض بنفسه. حفظ الله عمان، وقائدها المفدى هيثم السلطان، ووفقه للخير كيفما واينما كان.