#مقال / حين نفهم الصيام بقلم / سلطان_القاسمي اخبار الولاية 19/04/202119/04/2021admin نعيش هذه الأيام أوقاتاً عظيمة وكريمة، هي ساعات شهر رمضان المبارك ودقائقه وثوانيه، وهي تمر سريعاً حتى تكاد لاتمسك إلا من حريص ومثابر. وشهر رمضان فرصة لا تشبه الفرص، فهي فرصة الروح لتنتعش، والقلوب لتبتهج، والنفوس لترتاح وتسعد، وأي أعظم من وقت إن ابتهلت به أو تضرعت سُمع نداؤك ، وتعاظم أجرك، وقر الله عينك بالرضا والمحبة. مما أعجبني خلال هذه الفترة الماضية من الأيام الكريمة، موقف شدّني قام بها أحد الرفاق الطيبين، دخلت عليه في مكتبه، فرأيته قد نظم مكتبه بطريقة جميلة وجديدة، فهو أعاد ترتيب أوراقه على المكتب وقدم إليه منها المستعجل لينجزه، ونأى بأوراق أخرى في زاوية المكتب لانها غير عاجلة، ووضع على مكتبه باقتي ورد جميلة، وقد نثر عليه من أجود ما لديه من عطر، وبين الباقتين نسخة من القرآن الكريم. سألته عن ذلك، ما الذي دعاك إلى فعل هذا؟قال: سمعت أن شهر رمضان المبارك فرصة لتنظيم أمورك وإعادة ترتيب أولوياتك، فقلت والله لأفعلنها بمكتبي لعلها تنعكس على نفسي، فإذا رأيت ذلك حرصت على ترتيب نفسي وزدت في استثمار رمضان بما يعود علي بالخير والرضا، فها أنذا أنجز ما يطلب مني من أمور عاجلة، ثم أقتنص ما يتوفر من وقت بين الوقتين لأتلو بعض آيات القرآن الكريم، ثم أختم تلاوتي بالدعاء، فأعود إلى عملي بكل نشاط.فلما بدأت أشعر بحلاوة ذلك، آليت على نفسي أن لا أترك فسحة إلا وذكرت الله فيها خالياً وأصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كلما زدت والله زاد سروري وانشراحي. فأدركت أن الفوضى التي نعيشها هي فوضى النفوس، ما إن رتبتها حتى تترتب حياتك وتنضبط حركة الروح والفؤاد.فلما فرغ من كلامه، هنأته على هذه الفكرة، ولفت انتباهي دفتر جيب صغير إلى جانب المصحف، فقلت له من باب الفضول؛ وهذا الدفتر، ما تصنع به؟فأجابني: قال لما رقت روحي نالني من السرور ما نالني، وشعرت أني أحب كل الناس، فأخذت أدون كل من أتذكره من الأصدقاء والأرحام فأكتب اسمه لأخصه بالدعاء، وقبل هذا كنت وما زلت لا أنسى أن أدعو لوالدي الكريمين بدعوة عند كل فطر، وهكذا تعلمت أيضاً أن صفاء النفوس يعني المزيد من المحبة والإنسجام والألفة، فما عادت نفسي تحمل ذلك الغل الذي حملته يوما تجاه أحدهم حين نسي أن يلقي علي السلام يوماً أو ذاك الشخص الذي اعتذر عن إقراضي متحججاً بأن ليس لديه ما يقرضني، وكنت حينها أكذبه في نفسي، أنا الآن أحسن الظن أكثر، وأرجو الخير للناس أكثر، لقد رتبت نفسي بالصيام، وأدركت الدرس جيداً.فأعجبتني هذه الالتفاتة من هذا الزميل، وأعجبني فهمه لمقاصد الأمور وجوهر العبادات، فقلت في نفسي نعم إنها لفرصة عظيمة أن يعود المرء على نفسه فيعيد ترتيب أوراقها كما يرتب أوراق مكتبه، ولايتركها مبعثرة فتكثر الفوضى، وتضيع أولوياته، ويزيد في تنظيم النفس تعطيرها من أحلى الكلام، ويرونقها بالذكر لتطيب مدى الحياة.فلما هممت بالمغادرة، إلتفت إلى صاحبي وقد طمعت بكرمه، فقلت له: أتمنى أن تضع اسمي ضمن من تدعو له، ففتح دفتر ملاحظاته ليريني اسمي من بين الأسماء التي اختارها ليخصها بالدعاء، ففرحت وامتزجت فرحتي بدمعة، وعلمت منه أنه أدرك معنى الإخاء أيضاً، فلقد نجح بترتيب أخوته، وعانقته عناق الأخ ثم خرجت وقد آليت على نفسي أن أحكي للناس هذه الحكاية فلعلها تنفع من يقرأها كما نفعتني بمشاهدتها.تقبل الله منا ومنكم… وثبتنا وإياكم على الحق المبين