مقال : ‏رحلة الإسراء والمعراج.. ليست مجرد قصة نتدوالها ! بقلم : رحمة بنت صالح الهدابية

اخبار الولاية
تمر علينا خلال هذه الأيام ذكرى حادثة الإسراء و المعراج هذه الحادثة أو بالأحرى تسميتها بالمعجزة الإلهية التي اختص بها الله سبحانه و تعالى نبيه المجتبى محمد ابن عبدالله – عليه أفضل الصلاة والسلام -.فهذه الرحلة العجيبة لا ينبغي أن تمر علينا مرور الكرام من دون أن تترك في نفوسنا الأثر العظيم نحو الإسلام و قضايا أمتنا المختلفة، ولكونها حدثت في منتصف الدعوة الإسلامية حيث بلغ الأمر مبلغه في تفنن كفار قريش في التضييق و النيل من الرسول – صلى الله عليه وسلم – و أصحابه – رضوان الله عليهم جميعا – ليثنوهم عن نشر دعوة الإسلام و اتهامهم إياه بالكذب و السحر و الجنون على الرغم من يقينهم التام من صدقه و أمانته و أنه لا ينطق عن الهوى إلا أن كبرهم و غرورهم منعهم من الدخول في الدين الإسلامي و اتباع أرخص الطرق و الأساليب لإبتزاز بني هاشم و الضغط عليهم ليسلموهم ابن أخيهم أو بين فرض حصار جائر عانى فيه النبي صلى الله عليه وسلم – و من معه الأمرين إلى أن جاء الفرج على يد مجموعة من الرجال الذين لم يرتضوا هذا الفعل المشين من قريش و أهلها. اعقب ذلك عام الحزن و من اسمه يتبين لنا بأن فقد الأحبة شيء مؤلم على الإنسان ففيه فقد نبينا – صلى الله عليه وسلم – عمه “أبو طالب ” الذي كان له بمثابة صمام أمان و سد منيع أمام طغيان و جبروت أبناء قبيلته و زوجته الصابرة المحتسبة “خديجة بنت خويلد” – رضي الله عنها – التي لم تألُ جهدا في نصرته و مؤازرته لتبليغ رسالة ربه كما يجب، و لجوءه لأهل الطائف بدافع العون و النصرة إلا إنهم أبوا إلا أن يشاركوا كفار قريش في الخسة و الدناءة بتسليطهم عليه صبيانهم و سفهائهم لضربه و نفيه منها مُدمى القدمين. ومع ذلك ظل صلى الله عليه وسلم صابرًا محتسباً رافضًا أن يعذبوا أو يدعو عليهم لعل الله – عز وجل – أن يخرج من أصلابهم من يحمل على عاتقه نشر رسالة هذا الدين في أرجاء المعمورة . وغيرها الكثير من التضحيات التي قدمها النبى – صلى الله عليه وسلم – و أصحابه للحفاظ على الإسلام و نشره للناس كافة. لذلك جاء هذا التكريم المميز لرسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – بإسراءه ليلاً إلى بيت المقدس و إمامته به لخير خلق الله من أنبياء و رسل – عليهم السلام – و من ثم معراجه إلى السماء حيث سدرة المنتهى و ما رآه خلال هذه الرحلة العجيبة من مشاهد العذاب و النعيم الجنة و النار و ملكوت السماء لدليل قاطع على المكانة الرفيعة التي وصل إليها النبي – صلى الله عليه وسلم – والتي لم و لن يحظى بها غيره من العالمين. قيمة مثل هذه المناسبات الدينية تتجلى في تذكير الإنسان بعظمة خالق و مالك هذا الكون الذي لا يعجزه شيء وإذا ما أراد شيئًا قال له كُن فيكون، و مهما اشتد كرب و بلاء المؤمن ففرج الله آت لا محالة لذلك تخطى سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – و من معه كل أنواع الابتلاءات التي مروا بها بنفس مطمئنة لإداراكهم بأن عناية الله تحفهم من كل صوب. و صاحب  أي رسالة لابد أن يكون حازمًا و صارمًا لا يسمح لأحد أن يثبط من عزيمته كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – على ما عرض عليه قومه من أموال و نساء وأن يكون ملكًا عليهم وما لاقاه أيضًا في المقابل من أذى و هجر وجفاء إلا إنه لم يركن إليهم يومًا قط و مضى في طريق الدعوة مستعينا بالله أولا و بجهود أصحابه المخلصين. و كذلك القائد الناجح هو من ينوع في خططه ولا يستكين لخطة واحدة؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم ييأس من رفض أهل الطائف لنصرته و إنما أمر أصحابه بالهجرة نحو الحبشة ففيها ملك لا يظلم عنده أحد، و اختار المدينة المنورة لتكون مركز انطلاقة هذه الدعوة إلى اصقاع العالم. و أخيرًا حادثة الإسراء والمعراج ليست مجرد قصة نتداولها من باب التسلية و إهدار الوقت وإنما يجب أن نتدارسها بعين ثاقبة و باحثة عن مكوناتها و دررها الغالية و النفيسة من أجل حياة سوية.