قال تعالى: “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ” [الحج: 27-28]. استشعرتُ ذلك النداء الذي يرن في أعماق كل مُسلم، فقررت التقدم بطلب الحج لهذا العام 1445هـ، ولله الحمد تم قبولي من الفرز الثاني. وبالرغم من أن هذه ليست المرة الأولى لي في أداء مناسك الحج، إلّا أنَّ هذه المرة كانت مميزة بالنسبة لي؛ حيث شعرت بعظمة الموقف وأدركت أهمية الذهاب لتأدية هذا الركن من أركان الإسلام بكل خشوع وتفانٍ. إنَّ حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا هو فرض على كل مسلم قادر، والاستطاعة تشمل الجوانب الصحية والمالية والالتزام بالأنظمة والقوانين المعمول بها في البلد. كما يجب على الشخص أن يضمن تلبية جميع احتياجات أسرته قبل الذهاب للحج حتى لا يكون هناك ما يشغله عن أداء المناسك بكل تركيز وخشوع.وبعد الموافقة على طلبي، بدأت التحضير واختيار الحملة التي سأنضم إليها. ووقع اختياري على حملة الغبري للحج والعمرة تحت مسمى شركة مسك الخليج، وكان الاختيار موفقًا بفضل الله. ومن ثم بدأت تجهيزاتي للحج بكل جدية، حتى أتى موعد السفر إلى المدينة المنورة، وعند وصولنا لها، كان الاستقبال حافلًا والسكن قريبًا جدًا من الحرم النبوي؛ مما سهّل علينا أداء جميع الفرائض والصلاة في الحرم النبوي بسهولة ويسر. إن زيارة المدينة المنورة تمنح الحاج فرصة ذهبية للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة الأماكن الدينية الهامة مثل جبل أحد والبقيع ومسجد قباء.وللحصول على تجربة أفضل، أنصح كل من ينوي الحج بتنزيل تطبيق “نسك” للحصول على تصاريح زيارة الروضة الشريفة. وأشد ما أعجبني هو التنظيم في الروضة الشريفة الذي يضمن عدم التدافع والزحام، مما يسمح لكل زائر بالصلاة والتعبد في هذا المكان الطاهر بسلام وهدوء. وبعد قضاء أيام جميلة في المدينة المنورة، حان وقت الانتقال إلى مكة المُكرمة؛ حيث بدأت رحلتنا إلى مكة بالذهاب إلى الميقات المخصص لأهل المدينة للإحرام للعمرة، وكانت جميع الأمور ميسرة بفضل الله، وقد تم تجهيز كل شيء من قبل الحملة بشكل ممتاز. تحركنا على الطريق ونحن نُلبي للخالق جلَّت قدرته “لبيك اللهم لبيك”، وكانت الأجواء روحانية للغاية. كما إن العمل الإداري المُتميِّز للحملة ساعد في تخليص جميع الأوراق الرسمية من الجهات المعنية في المدينة المنورة قبل التحرك، مما سهل علينا الانتقال بسلاسة.خلال الرحلة إلى مكة، لمسنا اهتمام السلطات السعودية بالتدقيق على جميع الوثائق الرسمية لضمان صحة أوراق الجميع وتأديتهم للمناسك بشكل قانوني. وهنا أود أن أنبه جميع من يعتزمون الذهاب للحج في السنوات المقبلة بعدم المجازفة بالذهاب دون تصريح رسمي؛ حيث إنهم بذلك يعرضون أنفسهم للمساءلة القانونية والإبعاد من المملكة، إضافة إلى الغرامات المالية. وعند وصولنا إلى مكة المكرمة، وجدنا السكن مناسبًا وقريبًا من الحرم المكي، مما سهل علينا أداء مناسك العمرة بكل يسر وسهولة. وفي هذه المرة، لاحظت وجود العديد من نقاط التفتيش والفحص التي تمنع كل من لا يحمل تصريحًا للحج، مما أتاح لنا الطواف والسعي بكل أريحية.وفي يوم التروية، تحركنا إلى مِشعر مِنى ونحن في حالة إحرام ونية الحج؛ حيث كانت الأمور مُيَّسرة بفضل الله، ولكن عند وصولنا إلى المُخيم المخصص لشركة مسك الخليج للحج والعمرة، بدأت تظهر بعض التحديات. إن المعاناة الحقيقية في أداء المناسك بدأت تتجلى في نقص دورات المياه وعدم توفرها بعدد كافٍ للحجاج، حيث اضطر الكثيرون إلى الانتظار لفترات طويلة لاستخدامها. هذا الأمر كان صعبًا بشكل خاص على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. كذلك، نظام التكييف في المخيم كان غير ملائم؛ حيث كانت المكيفات ذات دفع عالٍ تؤدي إلى مشاكل صحية بسبب التغير المفاجئ في درجات الحرارة من الجو الحار والرطب إلى الهواء البارد الشديد.وهنا لنا وقفة للحديث عن مخيم مُنى، فمنذ زيارتي الأولى للحج لم ألحظ ذلك التطوُّر المُلفت للخدمات المقدمة وفي مقدمتها دورات المياه والتكييف الذي تصادف هذا العام مع ارتفاع في درجات الحرارة، وكذلك ضيق الممرات التي لا تتناسب مع الاختلاط الحاصل، مما نأمل معه من الجهات ذات الاختصاص العمل على معالجتها؛ فالحاج يطمح بل يهمه أن يجد أفضل الخدمات في المخيم، ومع هذا نحفظ ونقدر لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ما تبذله لتقديم أفضل الخدمات وأرقاها وربما هناك ظروف خارجة عن ارادتها. وعليه، فإني أقترح التنسيق مع مكتب استشارات هندسية في إعادة رسم وهيكلة مخيم منى لاستغلال كافة المساحات المتوفرة من خلال زيادة دورات المياه والتقليل من عدد المسابح المستخدمة، وكذلك محاولة فصل الخيام الخاصة بالنساء عن الرجال وبتنظيم أكثر؛ وذلك نظرًا لتداخل الرجال مع النساء في الممرات والسكن، وإضافة إلى ذلك أقترح تغيير نظام التكييف القديم وتوفير أنظمة أخرى تتناسب مع الوضع. وعلاوة ذلك، يفضل أخذ تقييم للخدمات المقدمة للحاج العماني من خلال تقارير ترفع من قبل شركات الحج إلى الجهة المختصة بعد انتهاء موسم الحج.ولتأتي مرحلة الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، وتوجهنا لرمي الجمرات، حيث كانت هذه المرحلة من أكثر المراحل مشقة، لذلك من الضروري اختيار الحذاء المناسب للمشي لتحمل المسافة الطويلة.وبعد أن أكمل الحاج جميع المتطلبات الملزمة عليه من رمي الجمرات، والنحر، والحلق، والطواف، يكون بذلك قد أنهى الكثير من المناسك الهامة في الحج. ويتبقى له حينها فقط رمي الجمرات في الأيام التالية. وفي هذا الموضع، هناك من يتعجل ويختار إنهاء المناسك بسرعة، بينما يفضل آخرون البقاء وتأخير الرمي حتى اليوم الثالث. ولكن في المخيم العماني لاحظنا أن جميع الشركات المعنية بتنظيم الحج، تفرض خيار التعجل في رمي الجمرات من أجل إخلاء المخيم والرجوع إلى مكة، ولا نعلم هل هذا الفرض في الاختيار أحادي أم هناك جهات رسمية تفرض ذلك؟!وبعد اتخاذ قرار التعجُّل، توجهنا إلى مكة المكرمة لأداء طواف الوداع لمن تعجل مغارة مكة، إلّا أنني ومعي مجموعة من الزملاء الذين تأخرنا بسبب حجوزات الطيران، اضطررنا إلى تأخير طواف الوداع واستغلال الوقت في الصلاة في الحرم المكي، غير أن ذلك كان من أصعب الأوقات علينا بسبب الازدحام الشديد في الحرم المكي. إن السماح للمقيمين والمواطنين والمعتمرين بالدخول إلى الحرم في هذا الوقت جعل المكان مكتظًا بشكل كبير، مما زاد من صعوبة أداء الطواف. ولكن بالرغم من هذه التحديات، تمكننا بفضل الله من إتمام طواف الوداع.وبعد الانتهاء من جميع المناسك، بدأت مرحلة المغادرة والعودة إلى أرض الوطن. حيث كانت هذه المرحلة مميزة بقمة السلاسة والتنظيم. وتم ترتيب جميع الإجراءات المتعلقة بالسفر والعودة بشكل ممتاز، مما جعل تجربة العودة مريحة وخالية من المتاعب. وصلنا إلى الديار ولله الحمد، ونحن قد أدينا مناسك الحج بشكل كامل. ولله الحمد شعرنا بفرحة غامرة وسعادة كبيرة لأننا وفقنا لأداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، ونسأل الله أن يتقبل منا حجنا ويجعلنا من المقبولين والمغفور لهم، وأن يرزق كل مسلم هذه الفرصة العظيمة في المستقبل.وفي الختام.. أود أن أوجه كلمة شكر وتقدير إلى جميع الإخوة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وشركة “مسك الخليج” للحج والعمرة على جهودهم الكبيرة في مساعدتنا على أداء المناسك بكل يسر وسهولة؛ سواء من الناحية الإدارية أو الفقهية. ونسأل الله القبول والثبات على الطاعة، ونسأله أن يرزق كل مسلم فرصة أداء هذه الفريضة العظيمة.