مقال : مخاطر ارتفاع معدلات الطلاق✍🏻بلقلم : ‫سلطان بن ناصر القاسمي‬‫

اخبار الولاية

تُعد قوة الرابطة الأسرية واحترامها من أبرز علامات صحة المُجتمع، ففيها تتجلى رحمة الله وإرادته لتعمير الحياة بالمحبة والتَّعاون، ولكن يظهر في زماننا الحاضر تحول ملحوظ في مفهوم الزواج والعلاقات الأسرية، حيث يعزف البعض عن هذه الرابطة والبعض الآخر يقدم على الانفصال لأتفه الأسباب، ما يجعلنا نتساءل عن السبب والمصير الذي يقود المجتمع نحو نسبة مرتفعة من حالات الطلاق، وتشير أحدث الإحصائيات إلى أنَّ عدد حالات الطلاق في سلطنة عُمان سجل ارتفاعًا.وما نقرأه ونشاهده في هذه الأيام، العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية في المجتمع، وعدم اكتراث الكثير من الشباب للقدوم على الانفصال، وإنهاء الحياة الأسرية التي لا تكاد تغرس أركانها، وهناك مسببات كثيرة لهذا الموضوع، سأتطرق لها في سياق حديثي لاحقًا. نعم، الروابط الأسرية في الحياة لها قدسيتها واحترامها وتقديرها امتثالًا لقوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21).وتدلنا هذه الآية الكريمة إلى أن الزواج بين الجنسين الذكر والأنثى سكينة ومودة ورحمة، وبالتالي شرع الله الزواج، ونهى عن الطلاق، ووُصف بأنه أبغض الحلال عند الله، والدين الإسلامي حثَّ الشباب على الزواج، كما جاء في الحديث النبوي؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنِّه له وِجَاءٌ”. هذا الحث النبوي يأتي لصلاح المجتمع والبعد عن الرذيلة، ولذلك أدعو جميع الشباب ذكرًا أو أنثى من يستطيع الزواج فليقدم عليه من الذكور، وأما الإناث من يأتيها من ترضى له الدين والأخلاق فلتسهل، ولا تعسر، ولقد أرشدنا الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم إلى حسن اختيار الزوج بقوله: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.وعند النظر للحديث، فإنه واضح وصريح في حسن الاختيار، حيث ارتكز على صلاح الدين وصلاح الأخلاق، فعند توفر ذلك، يقينا سيكون زوجا صالحا.وما يعكر صفو هذه العلاقة في وقتنا الحاضر هو كثرة الطلاق وتعدد الأسباب، وهنا أحصر بعض الأسباب التي أتت بها مكنونة أفكاري الآن وهي:انغماس الجنسين في عالم الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي: نعم إن التكنولوجيا قد تقربنا جغرافيًا، لكنها في بعض الأحيان تبعدنا اجتماعيًا، كما أن الإدمان على وسائل التواصل قد أثر على جودة العلاقات الشخصية، حيث يتجاوز الأفراد الوقت المخصص مع أزواجهم لصالح الانخراط الدائم في العالم الافتراضي وإظهار الزينة والتبرج غير المبرر فيه وهذا يدل على أن المجتمع يسير نحو العزوف أو عدم تقدير للعلاقة العظيمة التي أمرنا الله ورسوله بها.المظاهر وما أدراك ما المظاهر؛ فكثير من البنات الآن-وليس هذا من باب التعميم- تشاهد ما يوجد مع أو ما تلبس صديقتها وتريد أن تقلدها دون النظر إلى إمكانيات زوجها أو أسرتها، وبالتالي قد يجرها ذلك إلى البحث عن تعويض هذا النقص بما يغضب الله ورسوله فالحذر الحذر أبنائي وبناتي من هذا السلوك، وما ذلك إلا حملًا ماليًا ثقيلًا يؤدي في النهاية إلى توترات وصراعات في العلاقة الزوجية.الشباب وملاهي الحياة والعزوف عن الزواج بحجة الهروب من المسؤولية وعدم المقدرة على تحمل أعباء تكوين الأسرة متناسين الرحمة والمودة التي بها يسهل الله كافة أعباء الحياة، وهنا أود أن أشير إلى تجارب كثيرة رأيتها وعايشتها بنفسي في أن الله عز وجل يسهل وييسر أمرين هما الزواج وبناء المنزل فكل من نوى وتوكل على الله في هذين الأمرين سهل الله أمره وفرج همه، وعليه أدعو كل شاب للتوكل على الله والبدء في إجراءات الزواج والله الميسر.المهور والمغالاة بها: فكثرة الطلبات وزيادة المهور ما هي إلا أثقال على كاهل الزوج وإجباره إلى الذهاب لطريق السلفة من البنوك وبالتالي إلى زيادة أعباء الحياة الزوجية وزيادة مشاكلها والتي قد تصل في نهاية المطاف إلى الطلاق. والواقع أن هذه مشكلة، وعقدة، عقدها الناس على أنفسهم، وشددوا فيما يسره الله تعالى عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الزوجات “أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة” والنبي صلى الله عليه وسلم حينما زوج بناته زوجهن بأيسر المهور، لم يشترط لهن المئات ولا الآلاف، وإنما أخذ أيسر المهور، وكذلك السلف الصالحون.ظاهرة النسوية وما تلعبه من دور هذه الأيام في تغيير فكر بعض البنات والنساء المتزوجات بحجة أنها قادرة على أن تعيش بدون سند يسندها في الحياة متناسيات الروابط الشرعية التي شرعها الله بين البشرية جمعاء، فرسالتي إلى الجميع في هذا الشأن اتقوا الله ولا ترموا أنفسكم إلى التهلكة وعمروا مجتمعاتكم وأسركم بالحب والمودة والرحمة ولا تغيروا شرعة الله في خلقه، ولا أريد أن أطيل في هذه النقطة وأعطيها أكثر من حقها، فهي من الأساس خاطئة ولا يقدم عليها إلا من فقد دينه وتنازل عن شرع الله في خلقه والعياذ بالله.الترابط والرحمة: أدخل من هذا الباب لأن الزواج رحمة ومودة، ليس بين الزوجين فقط، وإنما بين أسرتين تربطهما صلة نسب لأبنائهم، وما نشاهده اليوم من بعض التصرفات هو أن مجرد الزوجة ترتبط بميثاق الزواج إلا وتعتقد أن الرحمة والمودة بينهما فقط! دون الاكتراث لأسرة الزوج، وهنا أقصد والديه، فنجدها متواجدة في بيت الأسرة التي بها والدين الزوج، وبمجرد ذهاب الزوج إلى العمل ذهبت هي إلى منزل والديها، وعند رجوعه رجعت معه، وكأنها تأتي للدوام الأسري فقط، لا فالمودة والرحمة عزيزاتي البنات هي مكتملة الأركان دون نقصان تشمل الزوج ووالديه وتكونين الونيس والمعين لهما بعد الله كما أن أطفالك هم بمثابة الحياة والطمأنينة لهم ووجودك أنتِ وأطفالك مع والدي زوجك يقوي الروابط الأسرية بين أطفالك وأجدادهم ويعلم أطفالك ما لم تستطيعي أنتِ تعليمهم.الاستعجال في بناء منزل الأسرة والتخبط في المغالاة في مكوناته وحجمه بما يزيد من قدرة الطرفين في السداد وبما تؤول له من أسباب تضييق على النفس في مصاريف الحياة فعلينا أن لا ننظر إلى ما يسكنه الآخرون من منازل وما يمتلك الآخرون من أثاث وغيرها من مظاهر الرفاهية، فكل إنسان ومقدرته المالية، فعلينا أيها الأبناء التفكير والتخطيط السليم لهذا المشروع العمري وأن نحفظ الحقوق للطرفين في حالة المشاركة تجنبًا لما تؤول إليها الحياة مستقبلًا.‎إن تزايد معدلات الطلاق وانخفاض نسب الاستقرار الأسري يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على مجتمعنا، ويجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة بجدية، ويجب على الشباب أن يعيدوا التفكير في مفهوم الزواج والاستعداد لبناء حياة أسرية قائمة على الاحترام والتفاهم.‎ويجب تعزيز الوعي بأهمية الرابطة الأسرية وتقديرها كركن أساسي في بناء مجتمع صحي ومستدام وعلى الشباب أن يتبنوا تقاليد الدين والقيم الأخلاقية ليكونوا قدوة إيجابية في تحقيق الاستقرار الأسري ونمو المجتمع بشكل عام، فلنعمل جميعًا على تعزيز الحب والاحترام والتواصل في علاقاتنا الأسرية، ولنتجنب الانجرار وراء الاتجاهات السلبية والمضرة، ولنعمل جميعًا بروح المحبة والتفاهم لبناء علاقات أسرية قوية ومستدامة، ولنساهم في تشكيل مجتمع مترابط ومتوازن يسوده السلام والرفاهية.