في بداية حديثي عن هذا الموضوع، أود ان أسجل رسالة شكر،وتقدير، وامتنان، وعرفان لكل المتقاعدين؛ لمًا بذلوه من جهد، وتفان في بناء الأوطان، وأخص بذلك كل المتقاعدين الذين بنوا هذه الدولة من الصفر، وكانوا عونًا بما تحملة الكلمة من معنى لقائد نهضة عمان- المغفور له بإذن الله- جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه-، الذي أسس أركان هذه الدولة؛ لتستمر النهضة المتجددة في ظل قيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم الذي توسم فيه المغفور له، وأوصى بأن نكون عونًا له في السراء، والضراء؛ لتبقى عمان شامخة، متجددة، إن شاء الله.واستكمالا لحديثنا عن مرحلة من مراحل الحياة، وهي مرحلة التقاعد التي أرى- من وجهة نظري- أنها مرحلة من الواجب أن تؤخذ بشيء من الإيجابية، بعد كل العناء، والالتزام بالضوابط العملية، والمجتمعية، والابتعاد عن السلبية، فالمرحلة العمرية للمتقاعد عادة هي في سن الخمسين، تلك السن التي من الممكن أن تستمر بنوع من الإيجابية النفسية، والصحية، إذا استثمرت بشكل صحيح، أو العكس إن لم تستثمر بالطريقة الإيجابية، فهي قابلة لتقبل الأمراض النفسية، والصحية، وكذلك المشاكل الأسرية.إذا على كل متقاعد- من وجهة نظري الشخصية- أخذ هذه المرحلة بشيء من الإيجابية.مثلا يعمل له جدولا سنويا للرحلات، والكشتات: الداخلية، والخارجية، على أن يختار الصحبة الجيدة لذلك، وأن يحافظ على العبادات، والتقرب إلى الله من خلالها، وأن يعيش الحياة الأسرية القريبة جدا من أولاده، وأحفاده الذين أبعدته عنهم حياته العملية في تلك الفترة الماضية.ونلاحظ في هذه المرحلة أن هناك تباينا في استغلالها من بعضنا؛ حيث إن بعض المتقاعدين يتخذون لهم طريق التدين، والجهاد في الدعوة إلى الله، وإلى قيم وتربويات الإسلام، وهذا جانب جميل حقا شريطة ألا ينسينا حياة الأسرة التي أبعدتنا عنها حياتنا العملية سابقًا.وهناك فئة أخرى من المتقاعدين تتخذ من الرحلات، والتجوال طريقا لها؛ لتبسط نفسها،وتعيش حياتها التي افتقدتها سابقا، ولكنها تفعل ذلك بشيء من المبالغة.وهناك فئة أخرى منهم تدخل في شيء من اليأس، والحزن على فقدان العمل، والبكاء على عدم الوصول إلى الهدف الذي كان الفرد منهم يتمناه دون النظر إلى أن هذا كله من قبيل الأرزاق، وهي-بلاشك- من عند الله، وأن الله قد من علي بنعمة أخرى غير العمل، وهي نعمة الصحة، ونعمة الأسرة، ونعمة الأصدقاء، وعليك استثمارها بالشكل الجيد.وقد تشعر في تلك الفترة بأنك تعاني من الفراغ، هنا عليك أن تحذر الهواجس، فمحتوى حديثك الداخلي لنفسك يؤثر – من غير شك -على مشاعرك ، وبدورها ستؤثر على أدائك: سلبا أو إيجابا.وهذا أحد أهم أسباب نجاح الناس، أو إخفاقهم في حياتهم، ولترفع عندئذ من جودة حياتك.سيطر أولا على هواجسك، فإن كانت إيجابية عشت سعيدا، وإن كانت سلبية عشت شقيا.وبيدك أن تكون سعيدا، أو أن تكون غير سعيد.فكر مليا فيما يسعدك بعد تقاعدك، وما من شأنه أن يبعد عنك أي شعور بالفراغ واليأس والإحباط والحزن.فأمامك طرق كثيرة لإسعاد نفسك، وشغل أوقاتك بما ينفعك، ويسعدك، ويجعلك أكثر عطاء وتميزا وفرحا، ويعود عليك بكل السعادة والرفاهية.وهناك فئة من المتقاعدين تتخذ من التقاعد فرصة لبناء أسرة جديدة من خلال الإقدام على الزواج بزوجة ثانية، أو حتى ثالثة؛ لتبدأ معه أعباء، ومتاعب فارق السن بينهما، أو مسألة صعوبة تربية الأبناء، والقدرة على مواءمة ما تتطلبه الحياة الزوجية الجديدة، من تكاليف وأعباء، ومطالب.وهنا أشير إلى ما يقوم به مجموعة المتقاعدين في قيامهم بعمل مجموعات الواتس آب التي تختلف فيها الأفكار، والآراء، والقناعات، وتحدث المفارقات بينهم، إلا أن ما يقومون به من تجمعات سنوية، أو شبه سنوية ما يجعل تلك المشادات والمشاحنات التي قد تنشب بينهم سرعان ما تذوب في أول لقاء لهم بعد ذلك، وهو أمر طيب أن يجتمعوا ويتراءوا، ويتقاربوا، ويتآلفوا.وهناك أشكال أخرى، وفئات تختلف نظرتهم إلى التقاعد؛ حيث يبحث مجموعة منهم إلى الانطلاق من جديد؛ آما في الدخول إلى مجال التجارة، وإما في خوض العمل السياسي، مثلا كالدخول في مجلس الشورى، أو دخول العمل التطوعي، كالمجلس البلدي.ويرى هؤلاء في ذلك العمل حياة جديدة تكسبة مكانة مجتمعية أخرى، قد استصعب عليه الدخول فيها، وهو على رأس عمله. لذلك أختتم كلامي هذا في أن كل إنسان يجب أن يكون إيجابيا في استثمار حياة ما بعد العمل، وبدء حياة التقاعد، وأن يكون متوازنا في ذلك، من حيث التقرب إلى الله من خلال العبادات، وكذلك لا ينسى عمل البرنامج الترفيهي له على مدار السنة، والظهور المجتمعي في المناسبات، وإعطاء الجانب الأكبر لأسرته، من حيث الإشراف عن قرب عليهم، ومحاولة تذليل كل متاعب الحياة لهم، وتقديم النصح والإرشاد لهم؛ لكي يعينهم ذلك على بناء مستقبلهم، وحسن اختياراتهم.وفقنا الله لما فيه الخير والصلاح لخدمة عمان، وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في إنجاح رؤية عمان ٢٠٤٠ م.