مقال / مرض الشهرة بقلم/جابر العماني

اخبار الولاية
يشهد الوطن العربي اليوم أمراضا مختلفة باتت تؤرقه، وتجعل من أفراده يعيشون الوهم والابتعاد عن الحقيقة والواقع؛ ومن تلك الأمراض الخطيرة: مرض جنون الشهرة عبر برامج التواصل الاجتماعي.. إنَّ الشهرة في حد ذاتها ليست عيبا إذا سعى إليها الإنسان مستندا للعلم والفهم والثقافة العامة التي من شأنها أن تنشر الخير والبركة للمجتمع وأفراده.فمن أهم فوائدها: الوصول لقلوب الناس بسهولة ويُسر، وتكوين علاقات اجتماعية واسعة وكسب المكانة والمقام المحمود بين الناس، ولكن شرط أن تكون بهدف ازدهار المجتمع وتوعيته، وإخراجه من الظلمات إلى النور.لكنْ من المُؤسِف عندما نرى من يبحث عن الشهرة السريعة والمزيفة من خلال المشاركات المريضة التي يعتمد أصحابها على استخفاف عقول الناس وعدم احترام التقاليد الاجتماعية والدينية للمجتمع البشري؛ وذلك بهدف الحصول على أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات، فهنا تُخيِّم سلبيات الشهرة الزائفة والسريعة على أصحابها، ومن تلك السلبيات أنها تسلبهم أوقاتهم فتكون ملكا للمعجبين بهم، فيصبحون ويُمسون مراقبين من الإعلام والمعجبين.لقد أصبحت الأمتان العربية والإسلامية تُعانيان ممن يلهثون وراء الشهرة السريعة وحب الظهور دون مراعاة الأخلاق والأعراف الدينية والاجتماعية، محاولين الظهور بثوب لا صلة له بهويتهم الاجتماعية، ومن أجل تلك الشهرة المجنونة يتنازلون عن مبادئهم وقيمهم الاجتماعية والإنسانية.. عندما يثير هؤلاء الضجة الإعلامية الزائفة فهم يطبقون مقولة “خالف تُعرف”، فيعملون بصورة مخالفة ومغايرة للحقائق الاجتماعية العامة؛ بهدف الوصول لأهدافهم؛ التي من أهمها: كسب المال والسمعة؛ فهم بلا شك يسيرون بأفعالهم هذه إلى عالم كبير من التنازلات الدينية والاجتماعية وينسلخون عن هويتهم الاجتماعية.هؤلاء عليهم أن يراجعوا أنفسهم وكل ما قدموه ويقدموه للمجتمع من إشاعات وسخافات وترهات وأباطيل لا صحة لها في كثير من الأحيان. نعم، لا مانع من الشهرة، ولكن ضمن العقل والمنطق دون المساس بالمبادئ والقيم الاجتماعية والدينية التي هي أساس المجتمعات البشرية الواعية…. إنَّ المتأمل لحال الأمتين العربية والإسلامية اليوم، يرى حال بعض الأسر العربية التي تسعى جاهدة لإنشاء قنوات خاصة لأطفالها على اليوتيوب، والتي تحاول من خلالها تقديم موادَ ترفيهية من خلال عرض الكثير من يومياتهم الحياتية الخاصة التي يمارسونها داخل الأسرة؛ وذلك بهدف زيادة المشاهدات للحصول على المال الوفير، متجاهلين الكثير من المخاطر التي قد يصاب بها الطفل جراء هذه الشهرة الزائفة.فبعض الأسر تستغل شهرة أطفالها من خلال منصات التواصل الاجتماعي لتحقيق الأرباح المادية من الإعلانات التجارية لترويج المنتجات، غير مهتمين بالسلبيات التي تعود من وراء تلك الشهرة، والتي قد تُصيب الطفل بحرمانه جمال مرحلة الطفولة التي يمر بها. وقد كشفت إحصائية لمركز بيو الأمريكي في العاصمة الأمريكية واشنطن للأبحاث العلمية الذي يجري استطلاعات الرأي العام والبحوث الديموغرافية، وتحليل محتوى وسائل الإعلام… وغيرها من بحوث العلوم الاجتماعية، أن الفيديوهات التي يقدمها الأطفال حصلت على مشاهدات عالية تفوق الفيديوهات العادية بثلاثة أضعاف، وهذا يُنبئ بمخاطر عظيمة قد يصاب بها الطفل إن لم يوجه بالتوجيه الصحيح والسليم من قبل الأسرة والمجتمع؛ وذلك باستخدام العالم الافتراضي بالشكل المطلوب، والسعي للشهرة المفيدة التي تعود فوائدها بالخير على الأسرة والمجتمع، والابتعاد عن جنون الشهرة الذي قد يصيب الطفل إن لم يوجه بالشكل المطلوب.فمن واجب أولياء الأمور عدم فتح الباب على مصراعيه لتعويد الطفل على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بلا رقيب وحسيب؛ فشُهرة الأطفال لا تعني لهم النجاح، بل تسرق منهم براءة الطفولة، وتأخذهم إلى وهم الشهرة الذي تكون له سلبيات واضحة على طفولتهم وحياتهم الأسرية والاجتماعية؛ ففي البداية سيشعر الطفل بالسعادة والفرح، ولكن سرعان ما ستتحول هذه السعادة والنجومية إلى سلب حريته وطفولته، يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق: “إنَّ خَيرَ مَا وَرَّث الآبَاءُ لأبنائِهِم الأدَبَ لا المَال، فإنَّ المالَ يَذهَبُ والأدَبُ يَبْقَى”.. وقال رسول الإنسانية محمد -صلى الله عليه وآله وسلم: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، وقال: وحسبت أن قد قال: “وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.وأخيراً.. ينبغي الاهتمام بتفعيل مكافحة الجرائم المعلوماتية من قبل الدولة بشكل أفضل وأكبر، والتركيز على التوعية المجتمعية من خلال الأسر والمدارس والمساجد والنوادي والأماكن الثقافية، والتنبيه من خطر بعض مشاهير التواصل الاجتماعي، وخلق قانون ينظم أحوال مشاهير السوشيال ميديا لكي لا تكون الأمور سائبة ليصبحوا قدوات مشهورة صالحة يستفيد منها المجتمع.