#مقال / تكريم أهل الإبداع ✒بقلم / جابر العماني

اخبار الولاية
المجتمعُ الواعي هو من يَحترم ويقدِّر الكفاءات والإبداعات البشرية؛ وذلك في حد ذاته مظهرٌ جميل للرقي والتقدم والازدهار الاجتماعي، إنَّ الإنسان الواعي لا يكُون واعيا إلا إذا امتلك لغة الاحترام والتقدير للكفوئين والمبدعين في المجتمع؛ وذلك من خلال الكلمة الطيبة والمؤثرة التي من شأنها أن تخلق الكثير من الجد والاجتهاد لدى المبدعين في سبيل إبراز طاقاتهم وإمكانياتهم بشكل أفضل وأجمل.وقد يُصاب الإنسان أحيانا بالأنانية والحسد، فيمتنع عن تقدير واحترام المستحقين للتقدير والاحترام من أهل الإبداع، وهذه الحالة هي حالة مَرَضية لا علاج لها إلا بالوعي والتربية الصالحة وجهاد النفس. لذا؛ فإنَّ من أهم الموارد الاجتماعية التي ينبغي الاهتمام بها: تقدير الكفاءة في المجتمع؛ فذلك يساعد كثيرا على تنميتها وتطويرها وازدهارها، بل ويجعل من أصحابها متميزين بالعطاء والإنجاز الاجتماعي، ويشجعهم على حب وخدمة مجتمعاتهم والإخلاص والتفاني لها. أما تجاهل كفاءات المبدعين، فيُساعد على تثبيط النفوس وإصابتها بالإحباط، ويجعلها غريبة لا قدر لها بين أفراد المجتمع الواحد. فالمبدعون بحاجة ماسة لحياة كريمة تساعدهم على بلورة أفكارهم، وتُجنِّبهم قلق الحياة وهمومها ومتاعبها وصخبها وضجيجها، وهنا لا أعني الرفاهية المفرطة لهم، بقدر ما أعني حالة الاستقرار النفسي التي يحتاجها أهل الابداع. أهم ما تقوم به المجتمعات المتقدمة اليوم هو: تكريم المبدعين واحترامهم والإشارة إليهم بالبنان، بل وابتكار الأساليب المختلفة بهدف تقديرهم واحترامهم؛ وذلك للاحتفاء بهم على كل الأصعدة الاجتماعية والأسرية والعلمية والعملية من خلال ابرازهم إعلاميا، وتكريمهم اجتماعيا بالأوسمة القيمة، والجوائز المرضية، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، ليشعروا بأهمية الجهود الطيبة التي قدموها لأوطانهم ومجتمعاتهم…. إنَّ مُجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم تُؤمن بأهمية التكريم البشري ولكن -مع كل الأسف- إن كثيرا من تلك المجتمعات وَضَعت التكريم فقط للمتفوقين في مجالات معينة؛ مثل: الرياضة، والغناء… وغيرهما، فكم سمعنا وقرأنا في صحفنا العربية والإسلامية عن أندية رياضية اشترت لاعبين بأموال باهظة الثمن، ودفعت لهم أجورا شهرية خيالية لا تصدق، وكذلك ما صرح به الإعلام من دفع مبالغ باهظة للمطربين من أهل الغناء لإحياء سواد ليلة واحدة فقط لا غير بالطرب والغناء، هنا لا نريد التقليل من أهمية الرياضة أو الفنون الأخرى.قال تعالى: “وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ”، والبخس -كما يقول ابن عاشور في كتابه “التحرير والتنوير”- هو: إنقاص شيء من صفة أو مقدار هو حقيق بكمال في نوعه. وإذا تأملنا ديننا الحنيف جيدا نراه لا يؤمن -بل لا يجيز مطلقا- عملية البخس للناس؛ لذا ينادي الإسلام دائما بالإنصاف، ومن حق أبناء المجتمع العربي والإسلامي أن يتساءلوا عن حال العلماء والمفكرين والأدباء المبدعين في الوطن العربي الذين لهم أدوار مهمة ورئيسية وحيوية في الوطن العربي، هل تمَّ تكريمهم؟ والإشادة بهم؟ ومساعدتهم بالمال الوفير لنشر فكرهم المتفتِّق بنور العلم والفهم؟ وهل تمَّت مُساواتهم بالتكريم السخي كما هي الحال مع بقية الفنون الأخرى الأقل أهمية في المجتمع العربي؟ هنا، لابد من تحرِّي الإنصاف بين أبناء المجتمع الكفوئين، فلابد من استيفاء الحقوق لأصحابها وأربابها، وعدم تمييز أحد على أحد، قال أمير الكلام الإمام علي بن أبي طالب: “اَلْإِنْصَافُ يَرْفَعُ الْخِلاَفَ وَيُوجِبُ الْإِيتِلاَفَ”، وقال: “نِظَامُ اَلدِّينِ خَصْلَتَانِ: إِنْصَافُكَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمُوَاسَاةُ إِخْوَانِكَ”.. وقال: “اَلْإِنْصَافُ شِيمَةُ اَلْأَشْرَافِ”، وقال الإمام الباقر: “لاَ عَدْلَ كَالْإِنْصَافِ”.فالإنصاف خُلق عظيم، وهو من أفضل أخلاق الإنسان وشيمه ونبله، مما يجعل صاحبه محترما ومقدرا بين أفراد المجتمع لما يقوم به من إنصاف الناس وعدم الانحياز إلى طرف دون طرف، فما أجمل أن يطبق الإنصاف في عملية تشجيع وتكريم المبدعين في الوطن العربي.. من الموارد المحفزة والمشجعة للعاملين والمجتهدين من أهل الإبداع في خدمة مجتمعاتهم هو: تشجيعهم وتكريمهم وإنصافهم، وعدم خذلانهم واستنقاص حقوقهم، فالتكريم يعني تنمية الطاقات والمهارات والقدرات، وهو واجب اجتماعي ووطني وأمانة على الدولة والمجتمع، وهو عملية ناجحة يجب أن تكون مبدأ واضحا لكل مجتمع يؤمن بأهمية بناء الإنسان الطموح الذي يسعى للحصول على المراكز الأولى في فنون الابداع.وكما قالت الشاعرة الفلسطينية المناضلة آمال يوسف في أهمية التكريم: “جِئنا لِتَكْريمِ الأَوائلِ بَيننا، حَقُّ الأوائلِ بَيْنَنَا التَّكْريمُ، سَهِرُوا وَجَدُّوا لِلنَّجاحِ سِلاحُهُمْ عَقلٌ وقَلبٌ بالنجاحِ يَهيمُ كانُوا إذا نامَتْ عُيونٌ هَزَّهُمْ صَوْتُ الطُّموحِ مُعاتِباً أنْ قُومُوا وَدَعُوا المَنامَ لِعاطِلٍ مُتكاسِلٍ سِرُّ النجاحِ العَزمُ والتّصميمُ”.