مقال : عُمان وتنظير ابن خلدون. بقلم/جاسم بن عيسى القرطوبي

اخبار الولاية

يعيش كل فرد منا ضمن مجموعة يربطه بها توافق بسبب نكاح أو ولاء أو نسب ، يرث منها الوعي الجماعي والتضامن و الولاء القبلي أو الوطني أو الحس المجتمعي هكذا قال ابن خلدون – ت ٨٠٨ هج- في الفصل الثالث من مقدمته. ولعل من المفاهيم الخاطئة في بعض المجتمعات أن تعتقد أن النصرة لا تكون إلا على أسس محصورة مثل: (هذا من شيعته وهذا من عدوه) (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين) محاولة بهذا البكاء على اللبن المسكوب ، متغافلة أن بعض المفاتيح تنوء عاجزة عن حملها العصبة أولو القوة وألو البأس الشديد ، وأن بعض القول أصلب وقعه من مثاقيل الحجارة والحديد ، وأنه قد يحتجب الثعبان خلف أوراق الشجر الخاوية بينما لا تستطيع أشجار الصنوبر العاتية أن تنقب النسمات عن المرور . ولكي نترجم المعلومات لمعمولات يجب علينا أن نشهد الحب في مجتمعنا العماني كإبصار وليد وبصيرة رشيد وباصرة عين كالحديد ثم نحدد أهدافنا في الحب . فأما سبب انطلاقنا منه ؛ فلأن الحب هو الإطار الصادق الذي يرينا الصور على حقيقتها دون فلترة موهمة ، وأما أسبابه ؛ فالحب إما لجمال أو كمال أو مظهر إحسان ، ولا غرو أن جميعها توجد مجتمعة في مجتمعنا العماني الأصيل فلا أجمل ولا أكمل ولا أحسن مقاما لدى أبناءها سواها فهي أمنا الحبيبة عمان . ولله الحمد الكل يشهد أن الحب شريان الحياة في أرضها ونبض لدى مجتمعنا العماني المترابط بكل ما يحمله الحب من وشائج الموده ؛ فاستحق مجتمعنا بذلك شهادة الرسول له صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله. مجتمع تجمعه صدق الفكرة بعد إيماننا العميق بالله ورسوله حري أن نسخر في تحريك هذه المشاعر طاقاتنا أجمعها لنرفع اسمه عاليا ليس كنجاح شخصي بل نجاح عماني مجتمعي ، فما تمناه أفلاطون في مدينته الفاضلة رآه الكل جليا في السلطنة ، وما رامه ابن خلدون في المقدمة تأصل فينا منذ القدم وهو باق الآن و إلى الآخرة إن شاء الله.ودونكم تصفحوا التاريخ لترأو على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره الإمام السالمي في تحفته أننا الفج العميق في قوله تعالى (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) ، وفي صحيح مسلم (لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك) . ويطنب ابن خلدون في شرح هذه الجزئية، مبينا أن العصبية نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا، ذلك أنها تتولد من النسب والقرابة وتتوقف درجة قوتها أو ضعفها على درجة قرب النسب أو بعده. ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة في العائلة ويبين أن درجة النسب قد تكون في الولاء للقبيلة وهي العصبية القبلية … وذلك شأن ابن خلدون فيما رأى وأما شأننا فيما رأيناه وأحسسناه في بلدنا الحبيب ، هو الحب بعين يقينه يقينا يهبنا كل منحة و يَقِيْنا كل محنة و كما عبرت عنه بأبيات من قصيدتي الإلهام المقدس:أين الحبيبة والإلهام ُ في مددٍأين التي ريقها كالماء يروينيأين التي كحبيبات الندى سقطتعلى جراحي ومن سقمي تداوينيأين التي قولها إن لاحظت غضبيكالسيل والبحر والأنهار يطفينيمات الغرامُُ وقد ولت مواسمهُفأورثت جمرة ً في القلب تكوينيلذا وقفت الهوى والشعر في بلديومدحِتي المصطفى عز المساكينعمان أنت لي الإلهام في زمنينعم وحبك يجري في شراينيوأنتِ لي نبضُ إحساس ٍ وقافية ٍووجهة تحتوي روحي وتأوينيوأنت قافية ُ الأشعار من قدمفما معلقة الجهال بالدين يا من هي الشعرُ والاحساس ُ والولُهُبالحبِّ جئتُ فبالأحضان ضمينيإلى آخر القصيدة، نعم ولله الحمد في وطننا الحبيب أصبحنا لا نجيد غير الحب ولا نهدي إلا السلم للجميع فأصبحنا بحق نحن أبناء عمان مثالا يحتذي في الأمان ، وما استلهمته في مقالي هذا من قراءتي لمقدمة ابن خلدون قد ترجمه خطاب السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه- بقوله :- إن ما تحقق على أرض عمان من منجزات في مختلف المجالات مصدر فخر واعتزاز لمواصلة المسيرة بإرادة وعزيمة أكبر ولن يكتمل تحقيق ذلك الا بتكاتف الجهود لما فيه مصلحة الجميع . ومما يثلج الصدر في تمام المقال ما قاله مولانا السلطان هيثم بن طارق بن تيمور- حفظه الله- ‏:«كلّ يدٍ تبني عُمان، لها منا كل التقدير والإمتنان» .