مقال // على وريفِ ذكرى نهضتنا الخمسين بقلم //جاسم بن عيسى القرطوبي

اخبار الولاية
قبل عَقْدٍ من الزمان تواصلت معي الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية وطلبت مني المشاركة بنص وطني سواءً نثريا كان أم شعريا أو لوحةً تشكيليةً ليكون ضمن كتاب توقيعات أدبية الذي رُفِعَ لاحقا هديةً إلى المقام السامي – طيب الله ثراه – ودُشِّنَ في احتفالية ثقافية كبيرة رعاها معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة . لم تسعني الفرحةَ وسرعان ما تسللت عني الكلمة هيبةً وإجلالا ولكنها بعد ذلك هطلت حُبَّا وجمالاً على أوراقي زخاتٍ فزخات ؛ فإنَّ الحبَّ أنطقَ بُكمي وأفصحَ عيِّ لما توفرت لدي في وطني الحبيب المكونات الرئيسة للحبِّ: الألفة ، الشغف ، والالتزام إذ هي الأركانُ الثلاثة التي قال عنها روبرت سترنبرغ (Robert Sternberg) وهو أستاذ التنمية البشرية بجامعة كورنيل : أنَّ الحب لا يكتمل دون أركان ثلاثة ، تجعل العلاقة أكثر متانة وسماكة وعمقا. لم أحتجْ لأمدٍ طويل للكتابة فعمقُ حبي لسلطاننا الراحل – طيب اللهُ ثراه – كقِدَمِ حضارتنا العمانية التي لم تعترها عوامل المذهبية أو العنصرية أو القبلية أو الاختلافات الفكرية مهما طال بها الزمن ، فهذه العوامل بحقٍّ كما قال سلطاننا الراحل – طيب الله ثراه – : نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا .كانت بلادنا تزدهي بثوبها الأربعين ، فحينها صدرت قصيدتي بقولي : للأربعينَ تجــــــــلـــــت صــــاحِ آياتُ = فاسمـعْ ففيها لنا أمــــست شهــــاداتُ،سنُّ الرجولــــــــةِ والإجلالِ في حِكَمٍ = وقبـــلُ فــيـهــا لموسى تـــمَّ مــيــقاتُ.ومما قلتُ فيها: يا مَنْ أزلتَ ظلامَ الجــــــهل مُجْـــــــــتهدا = قد أشرقت في الحشا بالنّـور ِ أبـيــاتُ..إلخ ، نعم؛ فالكمالية صفة سائدةٌ في سلطنتنا الغالية ، وهي نتيجة كفاح و جهد سامٍ حتى بلغنا الكمال عبر معايير عالية جدا ؛ فصار أداؤنا لا يصل إليه غيرنا ، وصارت مثاليتُنا كالمعجزة في حين تبحث بعض الشعوب فيه عن نرجسية كمال مفقود فيحبطها السيرُ تارةً ، ويعجزها التردد تارة أخرى ، فتتوقف فيه طويلا لتعلن لا أحد كامل على هذه البسيطة. أما نحن فحولنا الغبراء إلى فيحاء ، والصحراء إلى خضراء رغم أن مصابنا الجلل في وفاة مَنْ يبكي يوليو على رحيلِهِ فتصبّره الأشهر قائلة : وإنا على فراقه لمحزنون ، فحُسْنُ عزاءنا به أن هيَّأَ اللهُ سبحانه تعالى لنا جلالةَ السلطان هيثم بن طارق بن تيمور – حفظه الله وأبقاه – الذي آوانا إلى ركن جليل من الإنجاز والسعادة والنمو والاستقرار بأمن وأمان متلازمين للأبد بإذن الله تعالى على وطننا الحبيب ، فهذا الأسدُ الذي خلَفَ الأسدَ في عرين أشباله . لتأتِ الخمسون يا سادة فلم نزلْ نشعر أن أدوارنا من الريادة البطولة ، وأنَّ لنا في محور الكون السعادة ، ولنا الثقافة منذ الأزل وستظل تنهمر بغزارة فكأن الفيلسوف والكاتب الفرنسي فرانسوا ماري آروويه والشهير بفولتير (Voltaire) يقصدنا عندما سُئِلَ مَنْ سيقودُ الجنس البشري ؟ فأجاب : من يقرأ .. ، فحب القراءة من المميزات المشتركة بين سلطاننا الراحل – طيب الله ثراه – وبين سلطاننا الحالي – حفظه الله وأيده وأبقاه – إذ أن القرّاء الجيدون يمتلكون رؤى وأفكارا نبيلة تتناسب وسيرة عماننا الحبيب التي شهد لها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله ، فيما رواه الإمام مسلم في الصحيح من حديث أبي برزة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى قوم فسبوه وضربوه ، فجاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك .